هل الدين أداة لتغييب العقل؟ مرصد الأزهر يجيب

أجاب مرصد الأزهر على أحد الشبهات المنتشرة على بعض مواقع الإنترنت والتي  تقول أنه “لا توجد علاقة سببية ومباشرة بين ما نشاهده من كائنات وأجرام وظوهر طبعية ووجود كائن وهمي يسمونه “الله” وهو في الحقيقة مجرد رمز وليد لأفكار بدائية لا يمكن الوثوق فيها وتصديقها إلا بتغييب العقل والمنطق العلمي”.

والمتأمل في هذه الشبهة يجد أنها لا تخلو من السفسطة وربطها بالعلم التجريبي، فالمتأمل يجد أن هذه الشبهة مبنية على إنكار السببية التي عليها قيام كل ما يقع تحت الحس، وهذا الكلام لا شك مع تناقضه مع العقل يتناقض كذلك مع العلم؛ فالعلاقة بين الأشياء الموجودة على سطح الأرض هي السببية، ولذلك فإن المثيرين لهذه الشبهة يعودون مرة أخرى ليقولوا: إنَّ “كل هذه الأشياء هي نتيجة تطور المادة لفترة طويلة جدًّا وفي ظروف معينة”، ولم يوضحوا لنا كيف تطورت المادة؟ وهل شاهدها أحد وهي تتطور؟ وهل المادة عاقلة؟ وهل المادة تستطيع أن تخلق نفسها؟ وهل تستطيع أن تخلق غيرها؟ وهل المادة لها من العلم ما تستطيع أن تهبها لغيرها من الإنسان والحيوان؟ كل هذه أسئلة لم يستطع مثيرو الشبهة أن يجيبوا عليها، ولن يستطيعوا.

وتابع المرصد أن المادة كما هو مشاهد هي مجموع العناصر الموجودة في هذا العالم، لكن هذه المادة كما هو مشاهَد عاجزة لا تملك من أمر نفسها شيئًا، وهي أعجز عن أن تقدم لغيرها شيئًا… وكيف يتأتَّى للمادة أن تخلق ما هو أعلى منها كالحيوانات والأحياء؟! إن فلاسفة العلم وأساطينه في العصر الحديث الذين كانت بدايتهم إنكار وجود الخالق اعترفوا بأنه لا بد لهذا الكون من خالق حكيم عليم مدبر. ومن يطالع كتاب “الله يتجلى في عصر العلم”، وهو لمجموعة من كبار العلماء الأمريكيين في تخصصات علمية مختلفة في علوم الكون والحياة من كيمياء وفيزياء وتشريح وأحياء، سيجد أن هؤلاء العلماء قد ذكروا أنواعًا من الأدلة العلمية على وجود الله، بل يرد العلماء في هذا الكتاب على من يدعون أن الكون نشأ عن طريق الصدفة. وعلى كلٍّ؛ فالكتاب مطبوع ومتوفر بصيغة إلكترونية على شبكة الإنترنت. يزعم مثيرو الشبهة أيضًا أن “السماء ليست سقفًا كما ورد في قوله تعالى {وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا}” (الأنبياء: ٣٢)، وبناء مرفوع بدون أعمدة؛ فيمسكه حتى لا يسقط على رؤوسنا وفي قوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها} (لقمان: ١٠)، وقوله: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (الحج: ٦٥)، فيقولون: إن هذا خاطئ تمامًا؛ لأنه لا وجود لسماء بهذا الشكل، فما نراه فوقنا هو مجرد فضاء لا يحتاج إلى أعمدة أو مسك أبدًا. هذا الكلام لا شك يحتوي على جهل بطبيعة هذا الكون، وأن الأرض محفوظة من الشعاع القادم للأرض من الفضاء ومن النيازك، نعم إن طبقة “الماغناتوسفير” التي تتشكل من حقول الأرض المغناطيسية تشكل درعًا واقيًا للأرض من الأجرام السماوية، والأشعة الكونية، والجزيئات الضارة. لقد انتهى مثيرو الشبهة إلى أنه لا يمكن للعقل العلمي أن يعترف بما جاء في القرآن، فهو في نظره من كلام بشر. والحق أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون من كلام بشر، فلقد نزل على قوم أقحاح في اللغة، وتحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بمثل عشر سور منه فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا ولوا بمثل سورة منه فعجزوا، وقد حوى هذا الكتاب أخبار الماضين، وذكر حوادث في الغيب كان عليه الصلاة والسلام لا يعلمها ولا يمكن له أن يعلمها إلا بوحي من إله عليم، وحوى كذلك تشريعًا محكمًا يضمن العدالة لكل بني البشر.

ولقد رأى مثيرو الشبهة أن يشوشوا على العرب، مدعين أنهم متشبثون بدينهم دون نقد رغم التطور الهائل للعلوم والمعرفة، الأمر الذي سيجعلهم قابعين في قاع الحضارة يلوكون تراثًا باليًا ويتغنون بأمجاد ضائعة ويحلمون ليلًا ونهارًا بالعودة لزمن الغزو والسبي والغنائم، وهذا دليل عجز وفشل؛ فهل يمكن مواجهة الدبابة بالسيف والصاروخ العابر بالترس والنبل؟ وهذا الكلام لا شك أنه -من أول وهلة- بعيد عن الصحة؛ فالقول إن التراث الإسلامي قد بلي -حسب زعم مثيري الشبهة- يُرَد عليه بأنه لا علاقة بين تشبث المسلمين بدينهم وتراثهم، وما هم عليه من تخلف حضاري؛ لأمرين: الأمر الأول: أننا نشاهد أن الأمم المتحضرة لم يتركوا دياناتهم وتراثهم الذي أخذوه عن آبائهم وكبرائهم، بل هم متشبثون بهذا التراث لا يرضون به بديلًا. الأمر الثاني: أن تراثنا الإسلامي هو من أمرنا بأن نسعى إلى المجد؛ بل إن النهضة الأوروبية وصلتها بالحضارة اليونانية والإغريقية ما تقدمت وما بنت حضارتها إلا على أكتاف المسلمين وعلومهم وترجماتهم، ولقد ألفت الكتب والرسائل التي ظهر من خلالها فضل العرب والمسلمين في شتى صنوف المعرفة من (طب، وصيدلة، ورياضيات، وفلك… إلخ)، حتى الصناعات الحربية وقيادة المعارك العسكرية كان للعرب فضل السبق في هذا الميدان. وعلى ذلك توجد مغالطة من مثيري الشبهة في الربط بين الدين وحال أهله؛ وإلا صار التقدم حكرًا على أهل الديانة المتقدمين في علوم الدنيا أيًّا كانت ديانتهم… والمغالطة المنطقية هنا كاشفة لذهنية لا تستطيع رد الأمور إلى أسبابها، فعنف العنيف لا علاقة له بدينه، ومجاهرة الخبيث لا علاقة لها بدينه، وتأخر المتأخر حضاريًّا لا علاقة له بدينه… فالدين مقياس إليه المحتكَم في تقييم سلوك الفرد، وليس سلوك الفرد مقياسًا للحكم على الدين.

Comments (0)
Add Comment