مسؤولية القيادة والبطانة.. بقلم المفكر العربي علي محمد الشرفاء

لقد منح الله الإنسان حق الاختيار المطلق في دينه وعلاقاته وأعماله ، ومنحه حرية الرأي والحوار مع كل الناس، وعرض آرائه بالحكمة والموعظة الحسنة ،وحرم على الإنسان الظلم والقهر والبغي والطغيان والعدوان، وأمر الله الإنسان بالتعاون مع غيره بالبر والتقوى والمصداقية والإحسان، وحرم عليه الإفساد في الأرض والإضرار بالإنسان وجميع المخلوقات دون استثناء، ومنحه حق الدفاع عن النفس، وأن يتعامل بالرحمة والعدل، وينصف الناس في حقوقهم.. ووضع الله قاعدة تشريعية بقوله سبحانه: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ)( فاطر:18)..

إذ لا يجوز معاقبة الإنسان بجريمة الآخرين، بل إعطاء كل ذي حق حقه، ولا يحاسب الإنسان على أفكاره، إنما يحاسب على أعماله إذا أضر بالناس واعتدى عليهم ، فلا يوجد ما يمنع حدوث الاختلاف بين الناس في كل القضايا، في تصور المستقبل الذي يتمناه كل إنسان أن يعيش في وطنه آمنا يجد قوت يومه وقوت أسرته، معززا مكرما في وطنه، له حق التعبير في كل أمر يخص مستقبله ومستقبل أسرته، وفيا لأرضه، مستعدا للذود عن حياضها، مدافعا عن حقوقها، وكل من لم يصدر ضده حكم بدلائل ثابتة فمن حقه أن يعود إلى وطنه..

فالوطن حق لكل أبنائه وليس من حق فئة واحدة ، وهوية المواطن تحمي حقه في أن يعيش في وطنه، فالوطن مفتوح لكل أبناء الشعب دون استثناء، وكل إنسان يتحمل مسؤولية قراره ، وكل الشعب يملك الوطن، وكل مواطن له حق فيه، والحكومة يكلفها الشعب لخدمته بالرحمة والعدل والالتزام، وعدم اتخاذ قرارات فردية دون مصادقة مجلس الشعب، المنتخب من الشعب لمراقبة رئاسة الدولة والحكومة.

ومن حق كل مواطن أن يبدي رأيه في النظام، ليصحح مساره ولا يتخذ قرارات تغرقه بالديون ، من أجل أمجاد شخصية فانية مع أصحابها، ويبقى الشعب تتناوب عنه الأجيال في كل عصر ويسجل التاريخ بكل التقدير والتكريم القيادات التي أدت واجباتها وخدماتها لمصلحة الشعب ورعايته وتحقيق تطلعاته، ووفرت له رفاهيته، و احترمت حقوقه.. وأما إذا قصرت القيادات في حق الوطن ولم تحترم حقوق الشعب، ولم تكن أمينة على مصالحه فسوف يلعنها الشعب، وتسجل في التاريخ بأنها أجرمت في حق الشعب، وخانت الأمانة، ولم ترفق بالمواطن، فبغت على حقوقه واستباحت كرامته..

وستكون تلك القيادة عبرة للظالمين الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وارتكبوا من الفظائع والجرائم في حق المواطن، الذي سيظل يدعو عليهم كل يوم باللعنات، وأن يكون جزاؤهم يوم الحساب نار جهنم وبئس المصير.

ولتذكير القيادات التي تم انتخابها من الشعب وفق الدستور لتقوم بالتفاني في حمل مسؤولية الأمانة التي تم تكليفها من قبل الشعب في انتخابات حرة كان عليها قبل اتخاذ قرارت مصيرية تمس قوت الشعب وأمنه، واستقرار الوطن وحمايته، من كل ما يتهدده، تكون القيادة ملزمة بتنفيذ مسؤوليتها بكل الإخلاص واحترام مطالب الشعب الذي كلفها بحمل أعباء مسؤولية التنمية والتطور ، وخلق مناخ آمن حر تتحاور فيه العقول، وتتبارى فيه الأفكار لتقديم ما لدى المواطنين من تصورات عملية ونظريات تسعى مخلصة لصنع مستقبل باهر، يعم فيه الخير والتقدم لخدمة الشعب، والارتقاء بحياته نحو الأفضل، بما أن كل الشعب شركاء في الوطن وفي الحاضر والمستقبل.

ولذلك وضع الله سبحانه لرسوله توصيفاً آمناً لوظيفة القائد مخاطباً رسوله عليه السلام بقوله:( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (آل عمران :١٥٩).

ولو طبقت القيادات العربية التوصيف الإلهي لوظيفة القادة، لتجنبوا كثيراً من التعقيدات ومن الخسائر والصدمات في كل المجالات، ووفقهم ‏الله سبحانه لتحقيق العدالة والنجاح في خطط التنمية الاقتصادية، وتحقيق أمنيات الشعب في حياة كريمة دون ظلم أو بغي، أو مصادرة لحريات المواطنين دون أسباب قانونية، ليست مفبركة وتحذير من الله للناس في قوله سبحانه : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ )( إبراهيم:٤٢).

Comments (0)
Add Comment