مهمة الرسول في تبليغ رسالة الإسلام
لقد كلف الله رسوله عليه الصلاة والسلام بحمل رسالة الإسلام للناس كافة في كتاب كريم يهدي به الناس إلى طريق الخير والصلاح، وقد بلغ الرسالة بكل الأمانة ، وتحمّل في سبيلها صنوفاً شتى من ألوان الإيذاء والعنت والإشاعات بإيمان لا يتزعزع بأن الله سوف ينصره ، وأصر على أن يستمر في دعوته دون خوف أو تردّد فيما كلفه الله تعالى به حتى أكمل الله عز وجل دينه ، وأتم على الأمة نعمته في حجة الوداع.
إكمال الرسالة الإلهية وختام التشريعات في القرآن الكريم
ويتضح ذلك في قوله تعالى حيث أمره الله سبحانه بقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ ( المائدة: ٣).
بهذه الآية يبلغ الناس باستكمال الرسالة التي أنزلها الله على رسوله ، لتكون هداية للناس ونوراً يخرجهم من الظلمات إلى النور ، وهي خاتمة الرسالات أودعها الله في القرآن الكريم ، وما تضمنه من تشريعات إلهية ودعوة الناس للإسلام ، وما يدعو إليه من الإيمان بالله الواحد الأحد ، والإيمان برسوله محمد ، والإيمان بكل الرسل والأنبياء من قبله ، حيث وضع الله سبحانه في الخطاب الإلهي للناس قيم العدالة والمساواة ونشر السلام ، وتعاون بني الإنسان ، وتشريع إلهي ينظم العلاقة بين الله وعباده ، وينظم العلاقة بين الإنسان ومجتمعه ، وبين الإنسان ووالديه ، وتبيان الحقوق الزوجية وحقوق الايتام وضوابط تنظيم العلاقة بين الإنسان وسائر البشر فى كافة المعاملات ، وأن يستنبط الناس القوانين التي تنظم حياتهم من التشريع الالهي المبني على الرحمة والعدل. واحتفظ الله سبحانه بحقه في حساب خلقه يوم الحساب كقوله تعالى ﴿إِنَّ إِلينا إِيَّابهُمْ ( ٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم ( ٢٦)) ( الغاشية: ٢٥-٢٦).
اختيار الله لرسوله وحكمته في الدعوة والتعليم
لقد اختار الله سبحانه رسوله من بين خلقه ، ليحمل رسالة الله للناس حيث يقول الله في كتابه الكريم: ﴿ قُل إنما أنا بشر مثلكم يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلهكم إله واحِدُ فَمَن كَانَ يرجو لقاءَ رَبِّهِ فَلَيعَمَل عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشرك بعبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ( الكهف: ١١٠). كما قال تعالى مخاطباً رسوله: ﴿ قُل سُبحانَ رَبِّي هَل كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾ ( الإسراء: ۹۳). ويصف سبحانه مهمة رسوله الكريم بقوله: ﴿لَقَدْ مَنْ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنفُسِهِم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مين) ( آل عمران: ١٦٤). أرسل رسوله ليعلمهم ويفسّر لهم من التشريعات الإلهية ويوضح لهم مراد الله من أوامره لعباده ، حيث يقول سبحانه: ولقد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةً حَسَنَةً لمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ( الأحزاب: ۲۱). ليقتدوا بأخلاقه وصفاته حيث جعله الله قدوة للمسلمين الصادقين في عبادتهم لله وتصرفاتهم وسلوكياتهم التي شرعها الله لهم في منهج يرتقي بالإنسان بقيم إيمانية وأخلاقيات سامية.
تصحيح المفاهيم المغلوطة في تفسير القرآن وتوحيد المسلمين
ومن أجل تصحيح المفاهيم المغلوطة ، والتشوهات التي تناقلتها مؤلفات الفقه والتفاسير المختلفة- التي اعتمدت على روايات منسوبة لبعض الصحابة تناقلتها الألسن بعد مرور أكثر من قرنين من الزمان على وفاة الرسول- في تفسير دلالات الآيات في القرآن الكريم ، وما أحدثته من إرتباك في قناعات المسلمين ، وما ترتب على ذلك من تشويه صورة الدين الإسلامي عند غيرهم من الشعوب حينما استقلت كلُّ فرقة بمفهومها الخاص واتخذت كل فرقة من علمائها مرجعاً وحيداً في كل ما يختص بفقه العبادات والمعاملات ، وتعصبت كل فرقة لمذهبها أدت الى خلق كيانات اجتماعية مستقلة في المجتمع الواحد ، وصل بعضها إلى تكفير الفرقة الأخرى ، وقد تسببت في ذلك فتاوى وتفاسير بشرية اتبعت روايات ضالة تعدّدت مصادرها واختلفت أهدافها لتفريق المسلمين والإبتعاد عن منهج القرآن الكريم.
العودة إلى القرآن كمرجعية وحيدة لتوجيه المسلمين
وللتصحيح يجب على كل مسلم أن يتَّخِذَ القرآن مرجعيّته الوحيدة لدينه ، وعلى المسلمين أن يتدبروا ما في آياته من عبادات ومعاملاتٍ وأخلاقيات وقيم عظيمة في العدالة والرحمة والمساواة بين البشر وعبر تعينُ الإنسان في اختيار الطريق المستقيم وأن يكون لهم نوراً يخرجهم من الظلمات إلى النور.
فمن أراد الله به خيراً يشرح صدره للقرآن ، ومن أراد غير ذلك فسوف يَتَّبِعُ الشيطان ، ويكون عرضة لعدم الاستقرار النفسي والالتباس الفكري ، حينما يكون أسيراً لأفكار بشرية وتأويلات عجزت عن فهم مراد الله لخلقه. ومن ادعى العلم والمعرفة واختزل الإسلام في فهمه وعيَّن نفسه وصيَّا على المسلمين ، وحلّ محلّ مرجعية القرآن تذكيرًا بقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ وَبُشْرَى للمُسلِمِينَ) ( النحل:۸۹).
والله من وراء القصد ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.