أزهرى عشق الموسيقى، تعلم أصول الفقه لكنه هوى الفن، اتجه للإنشاد في الموالد، ثم ندهته نداهة الموسيقى ليصبح المعلم الأول وصاحب النهضة الموسيقية الأول في العصر الحديث، أنه عبد الرحيم المسلوب.
والشيخ عبد الرحيم من مواليد عام 1793 بمدينة قنا في الصعيد، اسماه والده عبد الرحيم تيمناً بالعالم الديني “عبد الرحيم القناوي”، وفي بداية عمره درس المسلوب في “الكتاتيب” ليتعلم أصول تجويد القران الكريم والاستزادة من فن الإنشاد الديني والاستماع والتغني بسيرة الرسول عليه السلام من خلال ارتياده للزوايا الصوفية.
توجه بعد ذلك للقاهرة والتحق بالأزهر الشريف، وعرف عنه حينها بأنه كان شيخاً ملتحياً وسريع البديهة وصاحب شخصية مرحة وافتتح محل لبيع الأسماك، بعد انتهائه من الدراسة في الأزهر .
تفرغ لدراسة الموسيقى وكان على اطلاع بما وصلت اليه الأغنية المصرية وتأثرها بالأغنية التركية واليونانية والأندلسية وقرر أن يؤسس لمدرسة تعيد للأغنية المصرية ألقها وهويتها العربية ، وبدأ ذلك بالتفرغ للغناء الدنيوي من غير أن يتخلى عن الإنشاد الديني .
يعد الشيخ عبد الرحيم المسلوب رائد عصر النهضة الموسيقية بمصر وهو مطور الأغنية المصرية الحديثة، بزغ نجمه وصار أستاذ عصره بعد سنوات قليلة من احترافه؛ حيث كان يبتكر أنماط جديدة من الألحان والغناء تنوعت ما بين فنون الدور والموشح والأغنية الخفيفة بالإضافة إلى الإنشاد الديني وغنى من ألحانه مطرب القرن التاسع عشر الشهير محمد سالم.
من أدوراه: “العفو يا سيد الملاح، البدر لاح في سماه، في رياض الجلنار، أنعم وزار زاهي الجبين، أسيل خدك يتعاجب بخاله ويسحر العين، جميل زمانك لك صفا” وغيرها.
ترك ثروة هائلة ضخمة من الألحان أصبحت مادة تراثية لأجيال من الفنانين الذين كانوا يستخدموها دون الإشارة إلى إسمه ، حتى ضاعت حقوقه الفكرية والإبداعية كما يظهر لنا في أغنية “لما بدا يتثنى” الذي يظنها البعض من تراث الموشحات الأندلسية.
أحد أشهر ألحان الشيخ المسلوب لحن أغنية “يا حليوة يا مسليني” التي غناها عشرات المطربين، والأغنية عمرها أكثر من 168 عامًا، حيث ظهرت لأول مرة في العام 1850 تقريبا، لكنها حظيت بنفس الإعجاب عبر الأجيال ومازالت تغني حتى اليوم.
وشهدت مصر على يد المسلوب في آواخر القرن 18 ومع بدايات القرن 19، بزوغ أول مدرسة موسيقية وغنائية فى العصر الحديث كانت متأثرة بروحها ومورثها الحضاري الفني استطاعت هذه المدرسة ان توائم بين جماليات الانشاد الديني والابتهالات والتواشيح وبين انطلاقة الغناء وحيويته وعذوبته مستحدثة مجموعة من التجديدات في الاداء والموسيقي كالدور مثلا بدلا من الطقطوقة وإيثار الحس الحي وروح البيئة من الموسيقيات اليونانية والتركية.
مكانة الشيخ المسلوب بين رواد الغناء فى عصره يرويها المؤرخ الموسيقى الكبير الراحل كمال النجمى، فقد غضب المطرب والملحن الكبير الرائد محمد عثمان، بعد أن بلغه أن منافسه العملاق عبده الحامولي، يغني دور عشنا وشفنا، الذي لحنه عثمان وغناه، فكان له دوي في الأوساط الفنية المصرية كلها.. كان الحامولي يلحن الأدوار ويغنيها فيخلب الألباب، لكنه كان يغني أيضا أدوارا من تلحين محمد عثمان، وكان الأخير يسعد كثيرا بجريان ألحانه على أوتار الحامولي.
توفي في 13 يوليو 1928، حيث عاش ما يقرب من 130 عاما، تخللت ثلاثة قرون، فقد ولد قبيل الحملة الفرنسية على مصر، وعاش القرن التاسع عشر كاملا، والعقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين.. كان عمره يقترب من الستين حين ولد محمد عثمان، وفي العام الذي ولد فيه سيد دوريش كان المسلوب قد تجاوز التسعين، لكنه عاش بعد درويش أربع أو خمس سنوات.