إن كل الأحكام المتعلقة بالإسلام وشريعة الله في العبادات وأركان الإسلام ما فرط الله في كتابه من شيء إلا بينه للناس بلغة عربية لا غموض فيها ولا تحتاج لتفسيرات شيوخ الدين، وليس على المسلم الالتزام بآرائهم فهي اجتهادات فردية ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تعتبر مصدرا رئيسيا لأحكام الإسلام، ومن يريد الاستفسار عن أحكام الإسلام فليرجع إلى القرآن
لأنه قول واحد وليس به قولان، وما يعرضه شيوخ الدين من المفاهيم المتناقضة وما فيها من اختلاف بين مختلف الطوائف الدينية التي تعتمد كل طائفة على مرجعية خاصة بها، فلن يجد المسلم ضالته في تفاسير مختلفة ومفاهيم متناقضة،
وأسلم الطرق أن يبحث عن الأحكام في الكتاب المبين، لأنها شريعة الله وكلمات الله أصدق الحديث كما قال سبحانه على لسان رسوله الكريم: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (الزمر: ٢٣)، وقال الله سبحانه أيضا: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً) (النساء: ١٢٢)، وقال الله سبحانه: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) (النساء: ٨٧)
وعلى أساس هذه الآية على المسلم ألا يصدق حديثا غير حديث الله في كتابه المبين، لكي لا يضل عن طريق الحق المستقيم، وتستقطبه روايات ضالة وأقاويل ما أنزل الله بها من سلطان، ولذلك خاطب الله رسوله عليه السلام بصيغة استنكارية في قوله لرسوله: (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية: ٦)، وقول الله سبحانه لرسوله محددا مهمته موضحاً رسالته ليبلغ الناس كتاب الله وآياته مخاطباً إياه: ( رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) (الإسراء: ٥٤)
فالله يأمر رسوله ليبلغ الناس بأنه ليس وكيلا من الله على الناس، بل رسولا يبلغ الأمانة وشرعة الله ومنهاجه، ويشرح لهم مقاصد آيات قرآنه ولكل إنسان حريته المطلقة في الإيمان بالله أو الكفر به، وعلى هذه القاعدة سيحاسب الله الناس وحده يوم القيامة
ولم يعين الله بشراً وكيلا عنه للناس، ولذلك فليس في الإسلام كهنة ولا مرجعيات ولا شيوخ دين يقررون مايفعله الإنسان، الذي آمن بالله وأطاع الله ورسوله فيما كلفه الله إبلاغ الناس بلسانه الذي بين للإنسان عدم اتباع أقوال البشر وأحاديثهم، ولا يصدق افتراءاتهم على رسول الله بالروايات غير ما يبلغه للناس رسول الله بما جاء في القرآن الكريم، وكل إنسان مسؤول عن نفسه في الحياة الدنيا ويوم القيامة تأكيداً لقول الله سبحانه في قرآنه بقوله: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر: ٣٨)
فليرفع الأوصياء على الإسلام آراءهم ورقابتهم على المسلمين وليتركوا الناس أحرارا في اختيار عقائدهم التي منحهم الله في كتابه حرية الاختيار في أديانهم، تأكيداً لقول الله سبحانه مخاطباً رسوله الأمين: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: ٢٩)، وقول الله سبحانه مخاطبا الرسول: ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: ٩٩)
إذا بمقتضى تلك الآيات يحذر الله بعض المسلمين من أن يعينوا أنفسهم أوصياء على الناس، وعلى أداء شعائر العبادات، ويمنع إكراه الناس على اتباع اجتهادات بشرية وأقوال مروية وأوهام يخدعون بها المسلمين بوعود كاذبة، ليكونوا من الذين يرضى الله عنهم ويدخلهم جنات النعيم،
إضافة الى تناقضات المفاهيم للمذاهب المتعددة والتي تنافس كل مرجعية بأنها أصدق من من المرجعيات الأخرى، وكل مرجعية تطعن في صحة مرجعيات الطوائف الأخرى، وكل منهم يحشد الأتباع استعدادا للصدام بين الطوائف الأخرى، وهكذا تضيع رسالة الإسلام الطاهرة بين الجبابرة وبين النفوس الماكرة وبين الذين لا يخشون حساب الآخرة
ولذلك أراد الله أن يحصن المسلمين بقوله سبحانه: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، فالله يأمر رسوله ويأمر المسلمين بالتمسك بكتابه المبين فقط ليحميهم من المنافقين وأصحاب الهوى والشياطين، الذين كرسوا حياتهم وأفكارهم باضطهاد المسلمين وكل فرقة تتعصب لمرجعيتها وتسوق بعض المسلمين نحو عقيدتها، كما يسوقون الأنعام ويخدعونهم بالأوهام وحور العين والبنات الحسان، وبالجنة يقدمونها لأتباعهم مجاناً بكرمهم وبالإحسان ليضحوا بأرواحهم وأموالهم وأسرهم لحساب الشيطان ، يستدرجهم يوم القيامة إلى نار جهنم، بعد أن ضاع منهم كل سلطان فخارت قواهم ولم يدركوا أن الله ليس بغافل عن الذين أجرموا في حق الله وحق الإنسان ، والله يخاطب رسوله بقوله سبحانه: ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (ابراهيم: ٤٢).