الأمانة يحملها الرسول .. بقلم المفكر العربي علي محمد الشرفاء
إن الأمانة يحملها أي رسول مَهمّته توصيلها للمرسل إليه، ولا يملكُ الرسول تغيير محتوى الرسالة لأن ذلك يعتبر في حكم القانون والعُرف خيانة للأمانة.
فكيف إذا كان الرسول مكلَّفًا من الله بحمل الخطاب الإلهي للناس وينطقه بلسانه ليبلغهم آياته ويبين لهم حكمة مقاصد كتابه القرآن الكريم لما يصلح حالهم في الدنيا، ويعرِّفهم طريق الخير لما يحقق منفعتهم وصلاحهم، وهو الأمين عليه السلام على رسالة الإسلام!
خطاب التكليف الإلهي للرسول
وخطاب التكليف الإلهي للرسول عليه السلام يتضمن في قول الله سبحانه: (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف: 2).
وقول الله سبحانه: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) (الزمر: 2).
وقول الله سبحانه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: 29).
وقول الله سبحانه مخاطباً رسوله عليه السلام: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّـهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ) (الأنعام: 19).
وقول الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (القصص: 58).
وقول الله سبحانه: (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّـهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (القصص: 87).
وقول الله سبحانه: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿43﴾ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴿44﴾) (الزخرف: 43-44).
وقول الله سبحانه: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (العنكبوت: 51).
مهمة الرسول عليه السلام
وقول الله سبحانه في خطاب التكليف للرسول عليه السلام موضحًا له مهمته العظيمة لإنقاذ الإنسانية من الظلام ليخرجهم إلى النور: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿45﴾ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴿46﴾ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّـهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴿47﴾ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَى بِاللَّـهِ وَكِيلًا ) (الأحزاب: 45-48).
وقول الله سبحانه موجهًا أمره للرسول عليه السلام بقوله: (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) (ق: 45).
فالله سبحانه حدد لرسوله مهمته بكل الوضوح والصراحة التي لا يمكن أن يحرّفها الإنسان أو يحاول تأوليها عندما يخاطب الله رسوله عليه السلام بقوله في الآية المذكورة أعلاه (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد)، مما يعني أن التكليف الإلهي يأمر رسوله بتذكير الناس بالقرآن الكريم وبآياته فقط ويشرح لهم حكمته فيها ومراده لخير الناس دنيا وآخرة، ولا يضيف من عنده كلامًا أو حديثًا يتعلق برسالة الإسلام بل يذكر الناس ويبلغهم آيات القرآن فقط، وهذه الآية جعلها الله قيدًا على رسوله لكي يلتزم بتبليغ الناس رسالته في كتابه المبين.
الأمانة التي يحملها الرسول
تلك هي الأمانة التي كلّف الله بها رسوله الأمين ليعرضها على الناس، يبين لهم ما في القرآن من شرعة تحقق العدل بين الناس وتمنع الظلم وتحمي الحقوق وتحرّم العدوان على الإنسان، ليتحقق الاستقرار في المجتمعات وتنعم بالأمان في ظل التعاون والسلام بين كل الناس دون إقصاء لديانة أو مذهب أو طائفة أو لون؛ فالحكم للرحمن.
كما يعلّم الرسول عليه السلام الناس المنهاج الرباني، في كيفية التعامل فيما بين الناس بالرحمة والعدل واحترام حق الإنسان لحريته دون طغيان، والتعامل فيما بين الناس بالحسنى والإحسان لينتشر السلام وتتحقق للإنسان الحياة الكريمة باتّباع آيات القرآن والاعتصام به تدبرًا وإدراكًا وأخلاقًا واتباعًا لدعوة الرحمن، ليجتاز الناس في الحياة الدنيا سنوات الامتحان ليجزيهم الله في الآخرة جنات النعيم وما فيها من روح وريحان.
دعوة الله للناس لاتباع كتابه العظيم
وبعد كل ما سبق من دعوة الله للناس إلى كل ما ينفعهم في الحياة الدنيا وما كلّف به رسوله الأمين أن يدعو الناس لاتباع كتابه العظيم وما فيه من آيات ترشد الناس إلى الطريق المستقيم، وتحميهم من شرور أنفسهم ومن الشيطان الرجيم الذي يسعى بينهم بالفتن وسفك الدماء لينشر الظلم والخوف والبغي والطغيان، يخرج بعض المدّعين بالعلوم الدينية على المسلمين بادعاءات باطلة من تأليف روايات ما أنزل الله بها من سلطان منسوبة للرسول الأمين ظلماً وعدواناً تحت اسم (السنّة)، لتكون لها المصداقية إذا تم تسمية الروايات منسوبة للرسول عليه السلام، لتنافس ما نطق به الرسول عن ربه من آيات القرآن الكريم، كما قال الله سبحانه: (فَإِنَّما يَسَّرناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَومًا لُدًّا ) (مريم: 97).
الرسول يدعو الناس بآيات القرآن
كل ما نطق به الرسول من الآيات تنفيذًا لأمر الله له بدعوة الناس إلى دين الإسلام، ولم ينطق بغير آيات القرآن رواية أو ما سُمّي (حديثًا) تأكيدًا لما جاءت به الآيات المذكورة سابقًا من التكليف الإلهي للرسول الأمين بدعوة الناس بالقرآن فقط، وشرح مقاصد الآيات وحكمة الله فيها لمنفعة الإنسان في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وما أشاعوه من أكاذيب على الرسول يستهدفون به إبعاد الناس عن آيات القرآن، ويضلّلوا المسلمين عن طريق الحقّ بالكذب والبهتان على الرسول عليه السلام، بالرغم أن الرسول اشتكى قومه لله، كما قال الله سبحانه: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) (الفرقان: 30)، وهذه الآية شاهدة على الذين تعمدوا إصدار روايات مزيفة وافتراءات مزورة على الرسول يوم الحساب، عندما يقفون حينها ناكسي رؤسَهم حيث يصفهم الله بقوله سبحانه: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) (السجدة: 12).
الروايات تشغل الناس عن الآيات
فهل من المنطق أن يعرض الرسول على الناس حديثًا غير الحديث الإلهي مما يسبب الشك عند الناس ويحدث لديهم الالتباس بين ما نُسب للرسول من روايات أطلقوا عليها أحاديث، لينشغل الناس بها عن الآيات التي كلَّف الله رسوله بها ليبلِّغ بها الناس في القرآن الكريم، يبشِّر المؤمنين بالخير والحياة الطيبة بلا بؤس ولا شقاء في سلام وأمن وهناء.
كما وصف الله مهمة رسوله في قوله: (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 188)، ويحذر الناس من اتّباع الشيطان وأتباعه من طريق الشر والباطل حيث سيقودهم إلى حياة الشقاء والضنك والبؤس وفي الآخرة يوردهم إلى جهنم وبئس المصير.
فهل كانت نية الرسول خيانة الأمانة التي كلفه الله بها؟! حاشا لله أن يكون ذلك عليه السلام، فما تمّ تكليفه قام بكل الأمانة بتبليغه للناس بكل الصدق والإخلاص للناس جميعًا، يتلو عليهم آيات القرآن ويشرح حكمته ويبين مقاصدها لمنفعة الناس جميعاً دون استثناء.
صورة مشوهة وإساءة متعمدة
ولذلك فما الذي تسبب فيه مؤلفو الروايات ونسبوها للرسول؟
لقد شُكِّلت للرسول صورة مشوهة وإساءة متعمدة وتعريضًا لأمانته بإخلاله في ابتداع أحاديث غير ما كلّفه الله بتبليغه للناس من آي الذكر الحكيم تنافس القرآن؛ بالرغم أن الرسول عليه السلام في خطبة الوداع أعلن للناس في يوم عرفة ما أمره الله سبحانه أن يبلّغ الناس باستكمال الخطاب الإلهي وإتمام كلماته فيما نطق به الرسول عن ربه قول الله سبحانه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (المائدة: 3).
وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلًا
وقال الله سبحانه تأكيدًا لما سبق: (وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ) (الأنعام: 115)، فعندما يعلن الرسول عليه السلام استكمال الخطاب الإلهي وإتمام كلماته على الناس فهل يبقى بعد ذلك شيء من منهاج أو تشريع أو مواعظ تبين للناس رسالة الإسلام في القرآن يتطلب إضافة أو نقصان؟
فهل من حمل الأمانة من خالق السماوات والأرض لينقذ الإنسانية من شرور الشيطان ويحميهم من المعاصي والآثام والذنوب في حق الله وفي حق أنفسهم، وما يُزيّنه للناس من الأعمال السيئة، ليرتكب الجرائم ويسفك دماء الأبرياء بالظلم والبغي والعدوان؟
أيهما يختار الإنسان هداية الله التي تضمنتها آيات القرآن الكريم التي تدعو الناس للرحمة والعدل والإحسان والتعاون والألفة ونشر السلام والحياة الطيبة في طمأنينة وأمان وعيش كريم أحق أن يتبع، أم من يتّبع مَن يدعو للفرقة وقتل الأنفس البريئة، وتحفيز نوازع الشر في النفس الإنسانية ونشر الفزع والخوف في المجتمعات الإنسانية واستحلال حقوق الناس باسم الإسلام، واستباحة حرية الإنسان التي منحها الله له في حق الاختيار لدينه وعقيدته ويعاقب بالقتل لكل من يمارس الحق الإلهي في اتباع العقيدة التي يؤمن بها ليحيا الإنسان في ضنك وشقاء.
الروايات تنشر الخراب والدمار وتدعو للفرقة
لتفسد في الأرض وتنشر الخراب والدمار، وخطاب الكراهية وتحرّض على العدوان لتهلك الحرث والنسل، ويعمّ الفزع والخوف والجوع والتشرّد في المجتمعات الإنسانية وتتسبب في خلق الطوائف والمرجعيات المتناقضة ويتم التنازع على السلطة والحكم واستباحة حقوق الإنسان.
ويتحول أتباع تلك المرجعيات إلى أوصياء على الإنسان ووكلاء عن الله في الأرض يصدرون الأحكام وينفذون قتل الأبرياء بتهمة الكفر والارتداد عن دين الله، بالرغم من أن الله سبحانه حرّر إرادة الإنسان في اختيار عقيدته ودينه ومذهبه، وتلك علاقة بين الإنسان ورب الإنسان المختص الأوحد بمحاسبته يوم القيامة، كما قال سبحانه مخاطبًا رسوله عليه السلام: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ﴿21﴾ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ﴿22﴾ إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ ﴿23﴾ فَيُعَذِّبُهُ اللَّـهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ﴿24﴾ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴿25﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم ﴿26﴾) (الغاشية: 21-26).
والحكم الفصل في الشريعة الإلهية في حرية الاعتقاد في قوله سبحانه (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: 29)، وقول الله سبحانه مخاطبًا رسوله عليه السلام (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: 99).