الصلاة على النبي.. بقلم المفكر العربي علي محمد الشرفاء
رُويَ عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله قال: (من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرة) رواه مسلم.
كذب من روى تلك الرواية المزورة، والرسول لم يطلب من المسلمين أن يصلّوا عليه، وهل أدركوا مقاصد (الصلاة على النبي)، وماذا تعنيه الصلاة على النبي للمسلمين؟
ثم إذا كان الله سبحانه اختص النبي -عليه السلام- بالصلاة عليه دون غيره، فلماذا يخالف المسلمون أمر الله، ويضيفون لأمره الصلاة على آله ويرددون دومًا بقولهم: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ)؟ فمن أعطاهم الإذن بذلك؟
ذلك الدعاء يكفي للدلالة على عدم إدراك المسلمين لمقاصد الصلاة على النبي -عليه السلام- التي اتخذها المسلمون عادة يرددونها في كل مناسبة وفي كل وقت بألسنتهم، لترضي النفس ولتشعر بإزاحة الهم عنهم، فتقربوا بذلك لله ليحقق لهم الراحة والغفران لكل آثامهم، كما أوهموهم شيوخ الدين ومَن يسمون بالعلماء بفتاويهم عن ثواب ترديد الصلاة على النبي في قولهم (ثواب الصلاة على النبي نواله الشفاعة يوم القيامة).
واللهُ يبطل هذه الرواية بقوله سبحانه مخاطبًا رسولَه: «وَأَنذِر بِهِ الَّذينَ يَخافونَ أَن يُحشَروا إِلى رَبِّهِم لَيسَ لَهُم مِن دونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفيعٌ لَعَلَّهُم يَتَّقونَ» (الأنعام: 51).
وقوله سبحانه مخاطبًا الناس جميعًا: «وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ» (البقرة: 48).
ثم يخاطب اللهُ المؤمنينَ بقوله سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (البقرة: 254).
وقوله سبحانه: «فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ» (المدثر: 48).
تلك الآيات تبين للمسلمين الغش والتغرير بهم بالكذب والخداع من الدعاة والعلماء، حين يقف الإنسان وحيدًا يوم الحساب،لم تنفعه الصلاة على النبي، ولن تكون له معينًا عندما تحصى أعمال الإنسان.
فليس ترديدها عملًا يُقاس عليه تقدير درجات الإيمان والالتزام بشريعة الإسلام التي أنزلها اللهُ على رسولِه ليبلغها للناس.
فالله يبين للناس في قرآنه أن الإنسان سيُحاسَب على عمله يوم القيامة، وليس بما ينطق به لسانه، ولن يشفع له غير ما قدم لنفسه من أعمالٍ في حياته من خير وشر التي ستكون الميزان العادل الذي سيُحاكَم عليه الإنسان، كما قال سبحانه: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (الزلزلة: 7-8).
فعلى الإنسان ألا يعيش في الأوهام معتقدًا في الروايات المفتريات على الرسول، بأنه مهما عمل من الذنوب سيشفع له النبي ليغفر الله له ذنوبه ويدخله الجنة بغير حساب بعدد المرات التي ينطق بها لسانه بالصلاة على النبي.
وأخشى أن يُفاجأ المسلم يوم القيامة بمن يقول له: (نأسف رصيدك قد نفذ)… وحينها لن ينفع الندم عندما يصدر الحكم عليه بأن يُلقى في النار.
فقد غرر به شيوخ الدين وجعلوه يهجر كتاب الله وما فيه مِن وصايا للإنسان وتحذير من حساب الديَّان، والذي يهديه إلى طريق الحق ليحقق له الطمأنينة والأمان، إذا المسلم قد أدى التزامه تجاه الله باتباع كتابه وما أمر به من تشريع ومنهاج ليسلكه المسلمين في حياتهم الدنيا ويثابون عليه في الآخرة، تأكيدًا لقوله سبحانه: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (النحل: 97).
وقوله سبحانه مبينًا للناس تقديم العمل على الانتساب للإسلام: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (فصلت: 33).
يبين اللهُ للناسِ أن الأجر والجزاء في الحياة الدنيا والآخرة يعتمد على العمل الصالح، وليس على صلوات على النبي يرددها الناس مئات المرات كل يوم دون الإلتزام بالأعمال الصالحة التي ذكرتها الآية الكريمة أعلاه، وتضمنتها التشريعات الإلهية والمنهاج الرباني في العبادات والمعاملات، والتي ستكون القاعدة الأساسية التي سيُحاسَب عليها الإنسان.
وحين يأمرنا الله سبحانه بقوله: «إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» (الأحزاب: 56)، خبر من السماء يبلغ اللهُ المسلمين بأنه يرفع من قدر النبي ومكانته عند الله ويكرمه بحمل رسالته للناس، ويؤازر النبي مع ملائكته لينجز رسالته ويحميه من أعدائه ويشد من أزره ويعينه على الصبر في مواجهة السفهاء والمنافين، كما قال سبحانه: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ …» (المائدة: 67)
ثم يأتي الأمر الإلهي للمسلمين بأن يصلوا عليه: «..يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (الأحزاب: 56).
يأمر اللهُ المسلمين حين نزلت الرسالة على الرسول الأمين بأن يصلوا على النبي، أمرًا منه سبحانه باستمرار صلة المسلمين بما بلغهم به في القرآن العظيم واتباع رسالته، والتسليم بما يبلغهم عن ربه بآياته، والتصديق بكتاب الله المبين، والعمل به سرًا وجهرًا، والامتناع عن محرماته، واتباع المنهاج الإلهي الذي يدعو إليه الرسول للرحمة والعدل والإحسان، والمعاملة الطيبة بين الناس، وتحريم العدوان على الإنسان باليد أو باللسان، وتحريم الغيبة والنميمة، وتحريم قتل النفس إلا بالحق، وأن يعضدوه ويؤازروه في دعوته، ويسلِّموا بما نقل لهم عن ربه من الآيات البينات، ويتبعوا تعليماته، كما قال سبحانه حين أمر النبي بقوله: «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (آل عمران: 31).
وهذه الآية تبطل ما تقوَّل به المفترون على الرسول في قولهم عن أبي هريرة عن الرسول أنه قال: (والذي نفسي بيدهِ لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدهِ وولدهِ والناسِ أجمعينَ) رواه البخاري.
في الوقت الذي يدعو الرسول -عليه السلام- الناس ليحبوا الله ويتقربوا إليه ليحبهم الله ويرضى عنهم، بأن يتبعوا آيات القرآن الكريم ويطبقوا أخلاقياته وقيمه الفاضلة، وأن يلتزموا بتنفيذ تشريعات الله في آياته، ويكونوا مسلمين بحق.
ليس في حدود ما تم التزوير على المسلمين برواية مفتراة على الرسول تتناقض مع ما يدعو الناس إليه بحب الله ليغفر لهم ذنوبهم، إذا التزموا بكل التشريعات الإلهية، وما جاءت به الآيات في المعاملات وأحكام العبادات وإقامة الشعائر، والتخلق بأخلاق القرآن ودعوته للسلام.
لا ظلم ولا فزع ولا عدوان ولا قتل للإنسان، بل رحمة متناهية وعدل دائم مع كل الناس، واحترام حرية الإنسان في حقه في الحياة، واختيار الدين الذي يراه، بلا إكراه على اعتناق الإسلام، بل حرية مطلقة في الاختيار والتعامل بالإحسان والعفو والتسامح، وتقديس الأمانة والابتعاد عن الظن السيئ، وكثير من القيم الفاضلة.
ولقد أمر اللهُ رسولَه بأن يصلي على دافعي الصدقة والزكاة في قوله سبحانه: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (التوبة: 103).
فكيف يصلي الرسول على دافعي الصدقة والزكاة، فصلاته تعني أن يدعو اللهَ لهم بأن يزيدهم من فضله ويعوضهم مما أنفقوه في الصدقات والزكوات، وفي سبيل الله ويخلف عليهم ما أنفقوه من أموالهم ويضاعفها لهم وييسر لهم أمورهم.
تلك صلاة النبي على المسلمين التي ستظل بأمر الله مستجابة عنده لكل مَن يتصدق ويدفع الزكاة إلى يوم القيامة، يبارك له الله في رزقه وفي صحته، ويخلف عليه مما أنفق ويضاعف له ماله، كما قال سبحانه معتيرًا استجابة الإنسان لطاعنه في قوله سبحانه: «مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ..» (البقرة: 254)
ثم تعقبها آية تتعلق بصلاة الله على الناس في قوله سبحانه: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» (الأحزاب: 43)، فالله سبحانه وملائكته يرشدون المؤمنين ويهدونهم إلى طريق الحق.
كما خاطب اللهُ رسولَه -عليه السلام- بقوله: «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا» (الفرقان: 57).
وكما قال سبحانه: «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ» (الأنعام: 125)، ليتخذ القرآن دليله في الحياة يحقق له الحياة الكريمة التي توفر له الأمن والسلام باتباع شريعة الله ومنهاجه في القرآن العظيم.
تلك صلاة الله على المؤمنين وإرشادهم إلى كل ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، ويعينهم على تحمل مشقات العبادات، ويسهل لهم أمورهم ويحبب إليهم الصبر على المكاره، ويمنحهم اليقين لتطمئن نفوسهم.
لذلك ليست الصلاة على النبي كما نرددها عادة نتوارثها جيلًا بعد جيل، دون أن يدرك المسلمون مقاصدها وما تدعوهم إليه من عمل الصالحات، علمًا بأن كل مَن ينطق بها لفظًا لن تفيده في شيء يوم الحساب، ولن ينفع الإنسان غير عمله، ولو صلى على النبي ملايين المرات فلن تضيف إلى عمله حسنة واحدة.
إن ما يزيد في حسنات الإنسان هو اتباع ما أمر الله به الإنسان ودعا الناس لاتباع كتابه كما قال سبحانه: «لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» (البقرة: 177).
والابتعاد عما نهى عنه من المحرمات واتباع المنهاج الإلهي في المعاملات بين الناس بالأخلاق النبيلة، وأن يتخاطبوا بالكلمة الطيبة وبالحسنى.
إذًا ليست الصلاة على الرسول كلمات يتلفظ بها الإنسان، إنما اتباع بما أنزل الله عليه بالآيات البينات من التشريعات والأخلاقيات والمُثل العُليا، والتسليم الكامل بما يبلغه للناس عن ربه فيما يصلح أمورهم، ويحقق لهم الأمن والعيش الكريم في ظل السلام النفسي والاجتماعي والقناعة بما قسم الله للإنسان.
والله حدد للرسول الأمين -عليه السلام- مسؤولياته الواضحة في قوله سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّـهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)» (الأحزاب: 45-47)
تلك مهمة الرسول بما كلفه الله للناس أجمعين ليبلغهم آياته وتشريعاته ومنهاجه في آياته بالحكمة والموعظة الحسنة، وينذرهم إذا لم يتبعوا آياته في كتابه المبين، كما قال سبحانه: «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)» (الشعراء: 88-89)
الصلاة من قِبَل الله وملائكته على النبي هي تبجيل لمقامه ومكانته عند الله، وتكريمه لما كلفه الله به من حمل رسالة الإسلام للناس في آيات القرآن الكريم، وتدعيم قدرته على الاستمرار في دعوته وتحصينه مما يواجهه من اعتداء، ويعينه على كل ما يلاقيه من عقبات، ويمنحه الصبر ويشد من أزره أثناء دعوته للناس بالدخول في الإسلام.
أما صلاة المسلمين على النبي فهي صلتهم مع نبوته ورسالته بما فيها من تشريعات ومنهاج يلتزم المسلمون بتطبيقها قولًا وعملًا، سواءً في إقامة شعائر الإسلام أو اتباع كتاب الله المبين في كل ما أمر به من عمل الخيرات والرحمة والعدل والإحسان بين الناس جميعًا، والابتعاد عما نهى عنه سبحانه وما حرمه من محرمات ليحسن إسلامه ويجازيه الله يوم القيامة خير الجزاء.
علمًا بأن الله سبحانه سيحاكم الناس على أعمالهم في الحياة الدنيا تطبيقًا لحكمه سبحانه: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» (المدثر: 38).
ولن يكون حساب الناس يوم القيامة بما تلفظوه على ألسنتهم من الصلاة على النبي أو الدعوات التي دعوا الله بها أن يغفر لهم ويتوب عليهم، بل الحكم النهائي على ما التزموا به بعد الاستغفار والتوبة.
هل التزموا بما وعدوا الله في دعواهم للتمسك بكتابه والسلوك بمنهاجه كما اقتضت آياته في قوله سبحانه مخاطبا رسوله الأمين: «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)» (الزخرف: 43-44).
أمر من الله لرسوله -عليه السلام- بالتمسك بكتابه، وهو أيضًا ذكر لقومه وأصحابه، وسوف يسألهم الله يوم الحساب هل تمسكوا بآياته، وهل طبقوا تشريعاته، وهل كان سلوكهم وفق منهاجه الذي أمر بتطبيق سنة رسوله في قرآنه، وما علَّم اللهُ رسولَه من الخلق العظيم.
كما وصف الله رسوله الأمين بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم: 4)
وأضاف لرسوله تكليفًا للناس بقوله: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: 107)
فأين أخلاق المسلميبن اليوم؟
هل اتبعوا ما بيَّن اللهُ لرسولِه في القرآن الكريم: القيم النبيلة والخلق القويم تربية للنفس ليكون التعامل بين الناس جميعًا بالأخلاق والرحمة؟
لم يبق لدى المسلمين غير إقامة شعائر الدين، وقد أفلسوا بأعمالهم المتناقضة مع المنهاج الإلهي وصراعهم على الدنيا في تعاملهم مع الناس بالقسوة والاستبداد والظلم والطغيان والبغي واستباحة حقوق الناس، وقتل الإنسان وسفك دماء الأبرياء.
فماذا بقي لديهم من قيم الإسلام وأخلاقياته ورحمته التي تدعو للرحمة والتعاون وتحريم العدوان على الإنسان في كل مكان؟
هل بعد كل ذلك الإجرام والبغي والطغيان يكفي أن يلفظ اللسان بالصلاة على الرسول -عليه السلام- ويعتقد بعد نطق اللسان بالصلاة على النبي أن الله سيغفر له ذنوبه بعدما ارتكب كل أسباب العصيان، وارتكابه مختلف الجرائم ضد الإنسان.
ولذلك لا بد من إعادة فهم ما تعنيه الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (الأحزاب: 56) حتى لا يستمر المفهوم المتوارث يردده المسلمون دون معرفة مقاصد الآية ويستسلمون للروايات التي تستدرجهم إلى طريق يتعارض مع مقاصد القرآن، وأن ترديد الصلاة على النبي -كما شبه لهم- بأنه يضاعف حسنات المسلمين ويقربهم من الله غش وتغرير بالمسلمين ليصبحوا يوم القيامة مفلسين من أعمال الصالحات، وسيفاجؤون يوم القيامة مَن يقول لهم: نأسف رصيدكم من السيئات طغى على الحسنات، لأن الرسول دعى الناس في قول الله سبحانه على لسانه -عليه السلام- ليتبعوه بما يبلغهم به مما أنزل الله عليه من آيات القرآن الكريم، ويطبقوا تشريعاته ومنهاجه لكي يحبهم الله.
ولم يدعُهم الرسول -عليه السلام- لمحبته شخصيًا بل يدعوه لكي يتقربوا من الله ليحبهم وليغفر لهم ذنوبهم، في قوله سبحانه مخاطبا الناس «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (آل عمران: 31) يبين الرسول -عليه السلام- للناس كيفية الوصول إلى التقرب من الله ومحبتهم له سبحانه ليغفر لهم ذنوبهم باتباع كتاب الله وطاعته في كل ما أمر به ليهديهم إلى طريق الخير والحياة الطيبة في الدنيا، ويجزيهم في الآخرة جنات النعيم.
ولن نجد نصًا في القرآن الكريم بأن الرسول -عليه السلام- يطلب من المسلمين محبته لشخصه وأن يتقربوا إليه، بل طلب منهم استمرار المسلمين بصلة دائمة بدعوته وما بلغهم به من الآيات البينات، ليحقق لهم محبة الله ليغفر لهم ويرحمهم ويرزقهم من الطيبات وينزل عليهم السلام والبركات والطمأنينة، ويحقق لهم وعده سبحانه في قوله: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى» (طه: 123).
ولذلك تؤكد الآية الكريمة بأنه من يتبع هدى الله في آياته وقرآنه فقد أحبه الله وجنبه شقاء الحياة الدنيا وسيجزيه نعيم الآخرة، وإن عصى الله وتنكر لكتابه كما قال سبحانه: «وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى» (طه: 124) فللإنسان حرية اختيار أي الطريقين دون إكراه أو ترهيب.