القرآن رسالة الإسلام.. بقلم المفكر العربي علي محمد الشرفاء
الكثير من المثقفين يرددون مقولة تجديد الخطاب الديني فأي دين يعنون، لأن الخطاب الديني لا يدل على الخطاب الإسلامي أو الخطاب المسيحي أو الخطاب اليهودي، أو يشير إلى أديان أخرى كالبوذية والزرادشتية ،وغيرها من الأديان.
أما إذا كان المقصود تجديد الخطاب الديني يعني الخطاب الإسلامي فالإسلام رسالة إلهية عامة لكل البشر أنزلها الله على رسوله الأمين في خطاب التكليف للرسول محمد الأمين عليه السلام ، ليضع للناس التشريعات الإلهية والقواعد العامة التي تنظم العلاقات الإنسانية، بين بني الإنسان في كل زمان وكل مكان، ليرشدهم إلى الطريق المستقيم، التي حددها الله سبحانه في آيات الذكر الحكيم.
وتلك الآيات كلمات الله عز وجل لا يمكن تجديدها أو تعديلها وهي باقية حتى قيام الساعة، فألقضية الأساسية التي يواجهها المسلمون ليست تجديد الخطاب الإسلامي أو تصويب الخطاب الديني كما يطلق عليه شيوخ الدين والمفكرون، ولا بد من تصحيح المصطلح ،فبدلا من أن يكون تجديداً للخطاب الديني، أو تصويباً لمفاهيم الخطاب الإسلامي في الآيات القرآنية ومعرفة مقاصدها لمصلحة الإنسان وحكمتها الإلهية، فذلك يتطلب العودة إلى آيات الذكر الحكيم والكتاب المبين الذي بين الله فيه سبحانه خارطة الطريق للإنسان، لتحقق له السعادة الدائمة، والعيش الآمن الكريم ،في ظل الرحمة والعدل والسلام والإحسان، والتعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان.
والبداية تكون في أول خطاب التكليف حيث خاطب الله رسوله عليه السلام بقوله أن يبلغ الناس باتباع كتابه ولا ينصرفوا بعيدا عن مقاصد آياته ومراده، لمنفعة الإنسان وصلاحه وسعادته في الحياة الدنيا، وتحصينه من الوقوع في المعاصي والذنوب التي تحيل حياته في الدنيا إلى معيشة ضنكا وشقاء وخوف، يفقد فيها الأمان والطمأنينة، كما أمره الله: ( اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ )( الأعراف :٣).
لقد وضع الله للناس في الذكر الحكيم شرعةً ومنهاجاً، تهديهم إلى تطبيق التشريع الإلهي في القرآن، المتعلق بالعبادات ومقاصدها واتباع تشريع المحرمات، ليبتعدوا عن كل ما حرم الله في حياتهم الدنيوية، ويطبقوا تشريعاته في تعاملهم مع الناس جميعاً، مع الالتزام بتنفيذ تشريع النواهي، بالابتعاد الكامل عن كل ما نهى الله عنه من الذنوب، والتمسك بالمنهاج الإلهي في كل معاملات الإنسان وعلاقاته الإنسانية، تطبيقاً وممارسة في كل لحظة من حياته ليجازيه الله يوم القيامة أجراً عظيماً.
ومن هذا المنطلق سننطلق في رحلة التدبر في كتاب التنزيل على الرسول من جبريل للوصل إلى إيصال الرسالة الإلهية للناس أجمعين فاستلم عليه السلام خطاب التكليف من ربه واستمر التنزيل يحدد معالم صلاحيات الرسول عليه السلام، ليحذر الناس الكافرين، ويبشر المؤمنين بسعادة الدنيا، وبمكافأة المؤمنين جنات النعيم، وفي معرض خطاب التكليف نبه رسوله الكريم بقوله سبحانه مخاطباً بقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) ( المائدة:67).
وتلك الأمانة نزل بها الوحي على الرسول عليه السلام بأنه ملزم أمام الله بتبليغ الرسالة للناس أجمعين، بلغة عربية ليس فيها ألغاز، وليس فيها تعجيز، ميسرة لكل من يتدبر آيات القرآن الكريم، ويفهم مقاصد الآيات لكل الناس، وما ترشده للطريق القويم، وما تضمنته الآيات من تشريعات تحقق العدل والمساواة وتحافظ على حقوق الأغنياء والمساكين، وما تضمنته تلك التشريعات الإلهية من قوانين لتحقيق السلام في المجتمعات الإنسانية، من أمن وسلام واستقرار لعباده الصالحين، مما يقلل من الحواجز بين الفقراء والأغنياء والمحتاجين، ويتحقق في المجتمعات التكافل الاجتماعي، الذي يحقق التقارب بين الأغنياء والفقراء، ويؤدي بأفراد المجتمع إلى التلاحم والوحدة، لحماية مكتسبات المواطنين والمقيمين.
فقد تضمن خطاب التكليف دعوة الناس للدخول في دين الإسلام معززين مكرمين، حقوقهم محفوظة وحريتهم مكفولة، وعقائدهم مصونة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية لكل الناس دون إكراه ودون إساءة ،ولكن بعد أن هجر الناس القرآن، تراكمت علي آياته السحب المسمومة، والظلمات بواسطة حفنة ممن أطلق عليهم العلماء وشيوخ الدين والمفسرين، الذين خططوا لصرف المسلمين عن القرآن الكريم فتعاونت قوى الشر، وعلى رأسهم اليهود الذين حذر الله الناس منهم في قوله سبحانه: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة :٨٢).
وانتقاماً منهم ضد رسالة الإسلام خططوا لتفريغ دين الإسلام من محتواه الأصيل، الذي يهدف لتحقيق المساواة بين البشر، وتحريم التمييز بينهم، بينما في كتب اليهود التوراة والتلمود يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار، فلا تستقيم نظرية الاستعلاء على الشعوب الأخرى في العقيدة اليهودية، مع التشريع الإلهي، وهذه أول نقطة الخلاف بين تشريع الله وبين تشريع أحبار اليهود، الذين يتكبرون على خلق الله ويستبيحون وفق شريعتهم حقوق الناس وممتلكاتهم وأعراضهم، تطبيقاً لعقيدتهم فبدأوا بتخطيط خبيث مجرم لتشويه مبادئ الإسلام السامية، التي تدعو للرحمة والعدل والمساواة بين الناس جميعا، ونشر السلام والتسامح والإحسان والتعاون على البر والتقوى دون تمييز بين بني الإنسان ، بغض النظر عن عقائدهم وأديانهم، فهم جميعاً إخوة في الإنسانية، وكل سيحاسب على عمله في الدنيا والآخرة وهما المقياسان للإنسان الصالح والإنسان الطالح لمن يعمل الخير، ومن يعمل الشر ،سواء أكان وفق القوانين الوضعية في الدنيا أو التشريعات الإلهية في الآخرة وفق الآية التالية (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) (طه :١١٢).
وقول الله في تشريعه للظالمين قوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا) (النساء :١٦٨)