قالَ سبحانَه وتَعالى مخاطباً رسولَه بأنْ يبيّن للناسِ أنّ الشفاعةَ للهِ وحدَه حيث خاطبَ اللهُ رسولَه: (قُل لِّلَّـهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (الزمر: 44)، وقال اللهُ سبحانَه: (فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر: 48)، وقوله سبحانه: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ) (البقرة: 48)، وقوله سبحانه محذراً الناس ومخاطباً إياهم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: 254)، وقول الله لرسوله أن يبين للناس حكم الله عن الشفاعة حيث قال الله سبحانه: (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ﴿100﴾ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴿101﴾ ) (الشعراء: 100-101)، وقال سبحانه وتعالى: (هَل يَنظُرونَ إِلّا تَأويلَهُ يَومَ يَأتي تَأويلُهُ يَقولُ الَّذينَ نَسوهُ مِن قَبلُ قَد جاءَت رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ فَهَل لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشفَعوا لَنا أَو نُرَدُّ فَنَعمَلَ غَيرَ الَّذي كُنّا نَعمَلُ قَد خَسِروا أَنفُسَهُم وَضَلَّ عَنهُم ما كانوا يَفتَرونَ ) (الأعراف: 53).
وقال سبحانه: ( وَأَنذِر بِهِ الَّذينَ يَخافونَ أَن يُحشَروا إِلى رَبِّهِم لَيسَ لَهُم مِن دونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفيعٌ لَعَلَّهُم يَتَّقونَ ) (الأنعام: 51).
وقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَد جِئتُمونا فُرادى كَما خَلَقناكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكتُم ما خَوَّلناكُم وَراءَ ظُهورِكُم وَما نَرى مَعَكُم شُفَعاءَكُمُ الَّذينَ زَعَمتُم أَنَّهُم فيكُم شُرَكاءُ لَقَد تَقَطَّعَ بَينَكُم وَضَلَّ عَنكُم ما كُنتُم تَزعُمونَ)(الأنعام: 94)، ومع نفي الآيات المذكورة أعلاه لم يمنح الله الرسل والأنبياء حق الشفاعة أو التوسط عند الله الذي سيكون حكمه بالعدل المطلق وفق ما كسب الإنسان في حياته من عمل صالح أو طالح ولم يستثنِ الله رسوله محمداً عليه السلام في نص من القرآن بمنحه حق الشفاعة وحساب الإنسان يوم القيامة سيكون وفق القواعد الإلهية في أحكام الله بالعدل الإلهي تأكيدا لقوله سبحانه: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (النحل: 118)، وقوله سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر: 38)، والأسس التي سيحاسب عليها الإنسان يوم القيامة، وكل ما تم نقله من روايات التراث عن شفاعة الرسول للمذنبين تبطلها الآيات القرآنية، كما ورد أعلاه فهي افتراءات على الله ورسوله، كذب المفترون على الله ورسوله وحسابهم يوم القيامة بما كانوا يكذبون.
فكلّ إنسانٍ سيحاسبُ يومَ القيامةِ بعملهِ دونَ وسيطٍ أو شفيعٍ يخفّف عنهُ العقوبةَ، ولن ينفَعه إلاّ ما يحتويهِ في سجلّه المكتوبِ الذى أحصى كل أعماله في الحياة الدنيا، ذلك هو العدل الإلهي المطلق كَما قاَل سبحانه واصفاً مشهدَ يومِ القيامةِ عندَ الحساب: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) (الزمر: 69)، وانقسم الناس إلى فريقين وهم الذين آمنوا وصدقوا بكتاب الله وطبقوا شرعته ومنهاجه والتزموا بطاعته وأخلصوا في دينهم وسارعوا إلى الخيرات، فيصور لنا القرآن مشهد يوم القيامة للفريق الأول حيث يقول الله سبحانه: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (الزمر: 73).
وجاء دورُ الفَريقِ الثاني الذين كفروا بآيات الله، وهجروا قرآنَه لصالح الرواياتِ والإسرائيليات وتكبرّوا على كتابه وأهملوا تشريعاتهِ ولم يلتزموا بالمنهاج الإلهي، وارتكبوا كلّ الذنوبِ والموبقاتِ، وما أحلَته لهم من أحاديثِ الأقوال المزوّرة على الرسّول عليه السلام سفك دماءِ الأبرياءِ واستباحتِهم المحرّمات واغتصابهم حقوق الناسِ ومصادرةِ ممتلكاتِهم وترويعهم للأطفال والعجائزَ، خلقوا حالة من الفَزَعِ والخوفِ وارتكابِ مختلفِ الجرائمِ في المجتمعات الإنسانية، من تدمير القرى والمدن وتشريد الأطفال والنساء في البراري والقفار يصوّر القرآنُ للناس المشهدَ الذي أعدّه الله للظّالمين يومَ الحسابِ لأهلِ البغْي والطّغيان والظالمين الذي حرم الله عليهم العدوان على الناس بكل أشكاله وسينالون حسابهم كما بينه القرآن العقاب الذي حكم الله به عليهم يوم الحساب في قوله سبحانَه: )وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) الزمر (71)، وقال سبحانه مبينا ندم الذين هجروا القرآن ولم يتبعوا ما بلغهم به الرسول عليه السلام من الآيات وحذرهم بها من يوم الحساب: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا)(الفرقان: 27)، فلن ينفع الظالمين حينها الندم وسيكون عمل الإنسان في حياته هو المرجع الوحيد للحكم الإلهي إما جنات النعيم وإما نار الجحيم.
إن تغرير الناس وخداعهم بشفاعة الرسول لهم مهما ارتكبوا من معاص إنما هي دعوة شيطانية تبيح للإنسان أن يفعل ما يشاء من الموبقات والمعاصي والذنوب ولن يحاسب عليها، لأن الرسول عليه السلام سيشفع له عند الله يوم الحساب بالغفران لأخطائه، وهو تحريض من الخبثاء ليجردوا الناس عن الأعمال الصالحة التي أمر الله بها، من الالتزام بشريعته واتباع منهاجه سلوكا للمعاملة بين الناس في الحياة الدنيا، ولا يوجد نص في القرآن الكريم يبلغ الرسول به عليه السلام الناس ليفعلوا مايشاءون من الذنوب وأن الله منح رسوله الشفاعة للمذنبين فما بال الذين جاهدوا في الله واتبعوا شريعته وعملوا بمنهاجه من الأعمال الصالحة، فهل من العدل أن الله يعفو عن المذنبين دون حساب، والذين عملوا الصالحات وخالفوا وسوسة الشيطان يتساوون في عدل الله؟
كيف يتساوى من ارتكب المعاصي مع الذين نذروا أنفسهم باتباع الرسول الأمين في حياتهمـ ولم يرتكبوا أي ذنب أو معصية؟! أليست تلك الفرية على الرسول جريمة لا تغتفر وتعديا على العدل الإلهي مع عباده يوم الحساب والله يبين للناس مشهد يوم الحساب في قوله سبحانه :
(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)( النحل :111) فأين الشفاعة في ذلك الموقف والله يعد الناس بكل نفس تجادل مع القضاة وتدافع عن نفسها وحيدة لا وسيط ولاشفيع غير ما تحمله من سجل أعمالها في الحياة الدنيا.
الخاتمة
لقد أمر الله رسوله عليه السلام أن يعرف الناس أنه بشر، وليست له قدرات إضافية ومعجزات أسطورية وصلاحيات استثنائية، منها حق الشفاعة للعصاة والمذنبين ليعفو الله عما ارتكبوه من آثام، ومن أجل ألايتم خداع المسلمين بروايات مزورة وافتراءات منسوبة للرسول عليه السلام، يضلون بها المسلمين، فأمر الله رسوله أن يبلغ الناس بقول الله سبحانه مخاطباً رسوله: ( قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الاعراف (١٨٨)، ذلك هو ما أراد الله لرسوله أن يعرفهم قدراته ويبين لهم مسئولياته دون مبالغة وتضليل، وأن يعتمد الإنسان على ما يقدمه من العمل الصالح في الحياة الدنياـ الذي سيكون الأساس في محاسبة الإنسان، وحينها لن يجد من يشفع له إلا عمله كما قال الله سبحانه مخاطبا عباده بقوله: (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) فصلت (٤٦).
قال الله سبحانه موجها خطابه لرسوله لكي يبلغ الناس بقوله سبحانه: ( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا) (الجن :٢١)، فهل من يبلغ الناس بتلك الآيات. ثم ينسبون إليه حق الشفاعة، وهو يقول للناس عن حقيقة قدراته بأنه لا يملك لهم ضراً ولا رشدا.
فكيف يصدقون روايات الزور بأنه يملك حق الشفاعة عن العصاة والمذنبين أليست تلك فرية كبرى على الرسول الأمين وضعها اتباع الشيطان ليخدعوا الناس بروايات الكذب والافتراء ويحرمونهم من التوبة والعودة إلى الله وإلى اتباع الذكر الحكيم ومجاهدة أنفسهم في تطبيق شرعة الله ومنهاجه ليفوزوا بجنات النعيم .