الأمانة بحملها أي رسول مهمته توصيلها للمرسل إليه، ولا يملك الرسول تغيير محتوى الرسالة، لأن ذلك يعتبر في حكم القانون والعرف خيانة للأمانة ، فكيف إذا كان الرسول مكلفا من الله بحمل الخطاب الإلهي للناس، وينطقه بلسانه ليبلغهم آياته، ويبين لهم حكمة مقاصد كتابه القرآن الكريم، لما يصلح حالهم في الدنيا، ويعرفهم طريق الخير لما يحقق منفعتهم وصلاحهم وهو الأمين عليه السلام على رسالة الإسلام ، ليعرض على الناس آيات القرآن الكريم في قوله سبحانه (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) ( الزمر)
فهل من المنطق أن يعرض على الناس حديثا غير الحديث الإلهي، مما يسبب الشك عند الناس، ويحدث لديهم الالتباس بين ما نسب للرسول من روايات أطلقوا عليها أحاديث، لينشغل الناس بها عن الآيات التي كلف الله رسوله بها ليبلغها للناس في القرآن الكريم، يبشر المؤمنين بالخير والحياة الطيبة بلا بؤس ولا شقاء، في سلام وأمن وهناء ، ويحذر الناس من اتباع الشيطان وأتباعه من طريق الشر والباطل، حيث سيقودهم إلى حياة الشقاء والضنك والبؤس وفي الآخرة يوردهم إلى جهنم وبئس المصير
وهل كانت نية الرسول خيانة الأمانة التي كلفه الله بها- حاشا لله أن يكون ذلك عليه السلام- فما تم تكليفه قام بكل الأمانة لتبليغه للناس بكل الصدق والإخلاص للناس جميعا، يتلو عليهم آيات القرآن ويشرح حكمته، ويبين مقاصدها لمنفعة الناس جميعا دون استثناء، لذلك فما الذي تسبب فيه مؤلفو الروايات ونسبوها للرسول؟
لقد شكلت للرسول صورة مشوهة وإساءة متعمدة وتعريض لأمانته بإخلاله في ابتداع أحاديث غير ما كلفه الله بتبليغه للناس من آي الذكر الحكيم، تنافس القرآن بالرغم أن الرسول عليه السلام في خطبة الوداع أعلن للناس في يوم عرفة ما أمره الله سبحانه أن يبلغ الناس باستكمال الخطاب الإلهي وإتمام كلماته، فيما نطق به الرسول عن ربه في قول الله سبحانه( ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة -٣) وقال الله سبحانه تأكيدًا لما سبق (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنعام – ١١٥)
فعندما يعلن الرسول عليه السلام باستكمال الخطاب الإلهي وإتمام كلماته على الناس، فهل يبقى بعد ذلك أمر يضاف إلى رسالة الإسلام يتطلب إضافة أو نقصان؟!
فهل من حمل الأمانة من خالق السماوات والأرض لينقذ الإنسانية من شرور الشيطان، وما يزينه للناس من الأعمال السيئة ليرتكب الآثام والمعاصي والجرائم وسفك دماء الأبرياء بالظلم والبغي والعدوان، واختار هداية الله التي تضمنتها آيات القرآن الكريم، التي تدعو الناس للرحمة والعدل والإحسان والتعاون والألفة ونشر السلام والحياة الطيبة في طمأنينة وأمان وعيش كريم أحق أن يتبع أم اتباع من يدعو للفرقة وقتل الأنفس البريئة، وتحفيز نوازع الشر في النفس الإنسانية، لتفسد في الأرض وتنشر الخراب والدمار وخطاب الكراهية، وتحرض على العدوان، لتهلك الحرث والنسل، ويعم الفزع والخوف والجوع والتشرد في المجتمعات الإنسانية، وتتسبب في خلق الطوائف والمرجعيات المتناقضة، ويتم التنازع على السلطة والحكم، واستباحة حقوق الإنسان، ويتحول أتباع تلك المرجعيات إلى أوصياء على الإنسان ووكلاء الله في الأرض، يصدرون الأحكام وينفذون قتل الأبرياء بتهمة الكفر والارتداد عن دين الله، بالرغم أن الله سبحانه حرر إرادة الإنسان في اختيار عقيدته ودينه ومذهبه، وتلك علاقة بين الإنسان ورب الإنسان المختص الأوحد بمحاسبته يوم القيامة، كما قال سبحانه مخاطبا رسوله عليه السلام(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ، إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ، إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)( الغاشية)
ولذلك خاطب الله رسوله عليه السلام بصيغة استنكارية (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية -٦) وكأن الرسول يجيب الله سبحانه لتلك الأسباب ويشتكي لربه في قوله (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان- ٣٠)
ألم يحدد الله لرسوله مهمته بكل الوضوح لا لبس فيها ولاغموض، ساطعة كالشمس في وضح النهار، في أمره سبحانه لرسوله (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) (ق -٤٥) ولم يأمر الله رسوله عليه السلام بتبليغ الناس روايات من بنات أفكاره وتأليفه، إنما كلفه بإيصال خطابه القرآن وشرح آياته وتبيان مقاصد حكمته فيها لكل ما ينفع الإنسان في حياته الدنيا، وما يؤهله لنيل جزائه جنات النعيم في الآخرة، كما أمره سبحانه في قوله ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة -٦٧ ) والمسلم يعلم ما الذي أنزله الله على رسوله الأمين أليس القرآن كتاب الله المبين الذي تشع منه أنوار الله على الأرض لتضئ عقول عباده في الدنيا، ويستعينوا بنور الله في مسيرة الحياة لكي يحقق لهم الأمان والحياة الطيبة في الدنيا، وتحصنهم من الضلال والمضلين من ارتكاب المعاصي أو إغراء المجرمين ويهديهم إلى طريق الحق المستقيم كما قال سبحانه يصف الذكر الحكيم(إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء -٩)
ألم يحن الوقت للمسلمين الرجوع إلى كتاب الله، وما فيه من المواعظ والتشريع والمنهاج الرباني للسلوك الإنساني في المعاملات والعلاقات التي ترتقي بالإنسان في اتباعه الأخلاق السامية والقيم النبيلة التى مارسها رسول الله عليه السلام سيرة وسلوكاً بكل معانيها وأوصافها، التي تضمنتها آيات القرآن الكريم في دعوة المؤمنين للاقتداء بالرسول الأمين، الذي كان قرآنا يمشي على الأرض، يحمل مشاعل الأنوار الإلهية في الآيات القرآنية ليعلم الناس أن رسالة الإسلام يترجمها المسلم سلوكاً وعملا وطاعة بكل الإخلاص على أرض الواقع، أسوة بالرسول عليه السلام، كما قال سبحانه يدعو المسلمين بالتأسي بأخلاق الرسول القرآنية ومعاملته الإنسانية ، مع كل البشر بالرحمة والعدل والإحسان والرأفة والكلمة الطيبة، ومواقفه ضد الظلم ومساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين والتفاني في خدمة المسلمين بالأمانة والحسنى ، والتسامح والعفو وحرصه على المسلمين ألا يرتكبوا المعاصي فتزل أقدامهم إلى النار، والخوف عليهم من التفرقة والتنازع وحب الدنيا والصراع على السلطة، وكبح جماح النفس الأمارة بالسوء، وتحذيرهم من مغريات الشيطان واتباع قول الله سبحانه مخاطبا رسوله عليه السلام ليجنبهم الوقوع في براثن عدو الانسان الشيطان وأعوانه من بني الانسان(وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ) (الإسراء- ٥٣)
ذلك كان حمية الرسول ورحمته لقومه وأتباعه، كما وصفه الله سبحانه(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (التوبة -١٢٨) لذلك أمر الله رسوله بأن ينذر الناس بالقرآن تأكيداً لقوله سبحانه (قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ۚ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ) (الأنبياء -٤٥) وكذلك يبين الله للناس في القرآن أنه (وحي يوحى) في قوله سبحانه (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ) أن الرسول عليه السلام عندما ينطق بآيات القرآن لا ينطق عن الهوى، ما يعني أن القرآن ليس كلام الرسول بل القرآن هو وحي من الله أنزله على رسوله في قوله سبحانه(إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) النجم (٤)
ذلك ما أكدته الآية السابقة أن الوحي يعني (القرآن) تأكيد أيضا لقول الله سبحانه (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (الدخان – 58) من أجل ألا يقف المسلمون يوم القيامة ناكسي رءوسهم نادمين على ما فرطوا في حياتهم، يناشدون ربهم كما وصف الله حالهم بقوله (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) السجدة -١٢) فيجيبهم الله سبحانه بقوله (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (السجدة)
ذلك تحذير إلهي استباقي للناس جميعا، فمن سعى وهو مؤمن بكتاب الله واتبع شرعته ومنهاجه وعظاته، وطبق ما أمره الله في كتابه، ولم يتبع غير ما بلغه رسول الله بآيات القرآن، فسيكون من الذين أطاعوا الله واتبعوا ما بلغهم رسول الله عليه السلام من آيات الكتاب المبين، فجزاؤهم في الآخرة جنات النعيم أولئك الذين وصفهم الله بقوله سبحانه (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (السجدة -١٥)
ومن هجر كتاب الله ولم يتبع ما بلغه رسول الله عليه السلام من آيات الذكر الحكيم ونسي الله وتحذيره من التكبر على آياته واتبع روايات البشر ضل الطريق واتبع الشياطين وسلك سبيل الباطل واستعلى على آيات الله بأقوال البشر ولذلك وصفهم الله بقوله سبحانه (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) (الزمر -٤٥)
فلكل إنسان حق الاختيار فمن أراد طريق الحق للحياة الطيبة في الدنيا وجنة الآخرة عليه باتباع القرآن، وطاعة الله بكل إخلاص والتزام بتطبيق شرعته ومنهاجه، ومن أراد طريق الباطل واتبع الشيطان وأعوانه عليه أن يتحمل نتيجة قراره يوم القيامة حيث لا ينفع الندم.