القرآنيون..بقلم المفكر العربي علي محمد الشرفاء
قال الله تعالى «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونََ» (فصلت 26)
(1) اختار الله محمداً عليه الصلاة والسلام رسولاً للناس.
(2) كلف الله رسوله أن يحمل كتاباً لا ريب فيه هدى للمتقين وهو القرآن الكريم تضمنت آياته أنواراً إلهية تضىء للإنسان طريق الحق والخير والصلاح.
(3) قال سبحانه لرسوله أثناء التكليف «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (المائدة: 67)
(4) تلك الآية تحدد بوضوح لا يقبل الشك أن الله سبحانه لم يكلف رسوله بمهمة أخرى غير إبلاغ الناس جميعاً آيات الله التى تضمنها القرآن الكريم بقوله سبحانه «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)» (الشعراء: 192-194).
(5) أمر الله رسوله بأن يدعو الناس بالموعظة الحسنة بقوله سبحانه «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل: 125) ولا تكره الناس على اتباع رسالة الإسلام بقوله «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (يونس: 99) ذلك بأن الله سبحانه يوضح لرسوله عليه الصلاة والسلام أسلوب الدعوة وحرية الاعتقاد للناس دون إكراه، كما أكد سبحانه أنه لا وصاية على الدين والدعوة إليه بقوله تعالى «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ» (الأنعام: 107)
اليهود اتجهوا للشائعات وافتراء الأكاذيب على رسول الله واختلقوا آلاف الروايات ونسبوها للصحابة واستطاعوا أن يقنعوا بها عدداً كبيراً من دعاة المسلمين وبالغوا فى تضخيم مكانتهم فى العالم العربى والإسلامى بجميع وسائل الدعاية
(6) هل يمكن أن يخالف الرسول أوامر الله بالتقيد فى إبلاغ الناس ما جاء فى القرآن من آيات كريمة تستهدف هدى الناس لطريق الخير ولما يحقق لهم الأمن والسعادة والرحمة والعدل فى الحياة الدنيا والأمان يوم القيامة عندما يقدم كل إنسان كتابه، حيث يقول سبحانه «فَأَمَّا مَنْ أُوتِى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ» (الحاقة: 19) «وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ» (الحاقة: 25) هل يقبل العقل والمنطق أن رسول الله سيأتى بأقوال من عنده أو تشريعات غير ما أمره الله بها أن يبلغها للناس، كيف يستقيم المنطق بين المهمة الرئيسية الموكله إليه من رب العباد لعباده وعشرات الآلاف من الروايات التى تمكنت أن تطغى على آيات القرآن الذى أنزله الله على رسوله بواسطة الروح الأمين نسبت إليه ظلماً وعدواناً وافتراء، فهل نزل ملك آخر يبلغ رسول الله بأن يبلغ الناس أقوالاً وأحاديث غير التى يتضمنها القرآن الكريم؟!! والله يقول سبحانه «تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَى حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ» (الجاثية: 6)، تؤكد لنا هذه الآية أن لا حديث غير آيات الله ولا تشريع إلا من عند الله ولا طاعة إلا لله ولما ينقله رسوله عن ربه من حكمة وموعظة وعبادات، حينما يقول الله سبحانه فى كتابه الكريم «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً» (الأحزاب: 21)، فالله يأمر المسلمين بأن يقتدوا بالرسول فى كل أمر يتعلق بشرح مراد الله من آياته يعلمهم الحكمة ويعلمهم العبادات، ممارسة فعلية من صلوات كانت أم صياماً أو حج البيت، حتى التعامل بين الناس يتعلم منه المسلمون أسلوب التعامل والعلاقات الإنسانية ويتعلمون منه القيم النبيلة من رحمة وعدل وإحسان وتعاون، كان عليه الصلاة والسلام قرآناً يمشى والقدوة هى الممارسة والسنة هى القدوة فى تفعيل التوجيهات الإلهية مع الناس.
(7) أ- نستنتج مما سبق أن إلهنا واحد سبحانه جل وعلا هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
ب- نؤمن بما جاء فى كتابه المبين من تشريع وقيم وعدل ورحمة وتعامل بين الناس بالعدل والإحسان.
ج- نؤمن بأن محمداً عليه الصلاة والسلام إمام ورسول من الله للناس جميعاً جاء يحمل لهم خطاباً إلهياً احتوى كلمات الله ليهدى الناس إلى ما يصلحهم فلا إمام غيره ولا قول جاء به غير ما كلفه الله بإبلاغه للناس وهو القرآن الكريم وما عداه يتفق مع قوله سبحانه «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61)» (النساء: 60-61) وقال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)» (محمد: 7-9)
هل من الصدفة أن يتولى جمع الروايات على لسان الصحابة وغيرهم منسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام، الأربعة الكبار فى أواسط القرن الثالث بعد وفاة الرسول وهم البخارى/وأبوداوود/والترمذى/وابن ماجه/ فى نفس التوقيت وأن يكونوا جميعهم ولادتهم فى الدولة الفارسية أثناء حكم بلادهم والتى اتخذت المجوسية ديانة لها.
استطاع الأعداء أن يجعلوا منا معاول لهدم دين السلام والمحبة ويحولونا إلى وحوش مسعورة فقدت كل قيم الإنسانية فأهملنا ما جاءت به رسالة الإسلام من عدل وسلام ويقتل بعضنا البعض تحت شعار الله أكبر
كيف يمكن التأكد من مصداقية الروايات بعد مضى أكثر من قرنين من الزمان على وفاة الرسول؟ وما هو الهدف من حشد عشرات الآلاف من الروايات التى ليس لها أساس مؤكد ولا ضرورة لتلك الروايات بوجود القرآن الكريم الذى استكمل آياته فى حجة الوداع حين أبلغهم الرسول بقوله تعالى «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً»، هل منح الله رسوله إضافة أقوال على آيات القرآن الكريم أو بحذف آيات منه؟ بماذا كلّف الله سبحانه رسوله فى نقل الرسالة وفى ذلك يقول سبحانه «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» وما أنزله على رسوله كتاب كريم ليبلغه للناس كافة ويتخذونه خارطة الطريق تعينهم فى مواجهة أعباء الحياة وتضبط إيقاع حركة المجتمعات الإنسانية وتمنع طغيان قوم على قوم وتنشر السلام بين الناس ليعيشوا فى وئام وتعاون ومحبة، ينتشر الأمن بينهم ويتحقق لهم الاستقرار الذى يلهم الناس فى تحسين أحوالهم المعيشية وتطوير علاقاتهم الاجتماعية وقوله تعالى فى سورة النجم «وما ينطق عن الهوى» إنما يعنى أن الرسول عليه الصلاة والسلام عندما يتلو عليهم القرآن فهو لا ينطق عن الهوى بل هو وحى أنزله عليه فى قرآن مجيد، وقوله تعالى فى نفس السورة «إن هو إلا وحى يوحى» يعنى إن ما ينطقه الرسول قرآن كريم أوحى الله به إليه ليتلوه على الناس ويشرح لهم ما فيه من حكمة ويوضح لهم مراد الله من آياته، ونستنتج من الآيات السابقة تكليف الله لرسوله بتبليغ رسالته للناس فقط بتلاوته للقرآن وتعليمهم الحكمة، وقد حسم المولى عز وجل مسئولية الرسول عليه الصلاة والسلام مهمة محددة لا زيادة فيها ولا نقصان، وعلى ما يبدو أن المتلقين للآيات الكريمة لم يستطيعوا مغالبة النفس البشرية بأهوائها وأطماعها أن تصمد أمام مغريات الحياة وأن يتمكنوا من كبح جماحها، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام ارتقى بسلوكه وصقل الله أخلاقه وارتفع به إلى مصاف الملائكة الذين تجردوا من الأهواء البشرية وتطهرت قلوبهم النقية، لقد جاء عليه الصلاة والسلام بالنور الإلهى ليخرج البشرية من الظلمات إلى النور، ظلمات القهر والظلم والإجرام بكل أشكاله إلى نور الحرية والمحبة والأخوة والتعاون والسلام والعدل، إن المسلمين يستمدون تطبيقاتهم الدينية من فقه وتشريع من مصدرين اثنين، أولهما قول مباشر ينقله عن الوحى من الله محفوظ فى كتاب كريم إلى قيام الساعة، ثانيهما أقوال قيلت عن الرسول منسوبة إلى الصحابة تم نقلها من قبل كبار ناقلى الروايات بعد وفاة الرسول بأكثر من مائتى سنة، هل يستويان؟ هل الاعتماد الكلى للفقه الدينى على مرجعية الروايات الوحيدة مقصود به تحييد القرآن لتتحقق مقاصد ناقلى الروايات بعزل القرآن عن الفقه الإسلامى وتتحقق صياغة الشخصية الإسلامية التى تحقق التفرقة بين المسلمين وينتج عنها طوائف متعددة تتقاتل فيما بينها وبالتالى تتوارى القيم الربانية التى تأمر بالرحمة والعدل والتعاون والسلام بين الناس جميعاً، ونظرة لتاريخ المسلمين تؤكد لنا ما حدث من حروب دامية بين المسلمين والفرق الإسلامية المتناحرة، وكل منها يدعى أنه هو الوصى على الإسلام والدعوة إليه وغيره كافر، لأنه لا يتفق معه فى مرجعيته، وتتسارع وتيرة الصراع بين مختلف الفرق الإسلامية ويتحقق لأعداء الرسالة الإسلامية ما يخططون له باستمرار القتال بين العرب المسلمين وينشغلون فى أنفسهم عن عدوهم، ويتحين بنو إسرائيل الفرص الضائعة من العرب ويستمرون فى التوسع فى المستوطنات على حساب الشعب الفلسطينى حتى لا يبقى لهم متر من الأرض يتفاوضون عليه ليتحقق حلم إسرائيل باحتلال كامل الأراضى الفلسطينية، وليس أدل على تلك النتائج الكارثية ما حدث فى العراق وفى سوريا واليمن وليبيا، عندما استطاعوا مع حلفائهم تفجير الوطن العربى ليسهل لهم تحقيق أهدافهم حماية للأمن الدائم لدولة إسرائيل لتصل حدودها من النيل إلى الفرات، لو نجحت خططهم سنة 2011 فى جمهورية مصر العربية لتمكنوا من تحقيق حلمهم ولكن الله خذلهم.
لقد وصف الله سبحانه القرآن بأنه أحسن الحديث بقوله تعالى «الله أنزل أحسن الحديث»، وجاء فى آية أخرى «تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَىّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ» (الجاثية: ٦) وقال تعالى «فبأى حديث بعده يؤمنون» أى إن إطلاق مسمى حديث محصور فقط على آيات القرآن الكريم، لو لم يأت الوحى لمحمد ابن عبدالله ونزل عليه القرآن كتاب الله للناس كافة فلن يكون رسولاً أو نبياً، وسيكون مثل أحد الناس فى قومه، ولكن الله سبحانه يعلم حيث يجعل رسالته لعباده فكلف محمداً الإنسان ليكون رسولاً للناس كافة، يهديهم طريق الخير والرشاد وأمره بتكليف محدد بقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» ماذا أنزل على الرسول؟ وما الرسالة التى يريد الله أن يبلغها للناس؟ أليس غير القرآن خطاب من الله لعباده وهل يملك محمد عليه الصلاة والسلام مخالفة أمر الله ويبلغ الناس قولاً آخر غير ما يكلفه الله به وهو القرآن، حيث يقول سبحانه «الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (٢) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ(٣) سورة محمد، تعنى هذه الآية أن الناس انقسموا إلى فريقين، منهم من اتبع الحق الذى أُنزل على الرسول وهو القرآن الكريم، ومنهم من اتبعوا الباطل والذين كفروا بالقرآن واتبعوا الروايات التى أصبحت بديلاً عن القرآن وخلقت ديناً جديداً لا صلة له برسالة الإسلام التى يأمرنا الله باتباعها فى كتابه المبين، وأصبح لزاماً على كل إنسان أن يحدد موقفه إن كان من أهل القرآن فالله سيكفر عنهم سيئاتهم ويصلح بالهم، وأما من اتبع ما تتلو الشياطين من أساطير وروايات سيضل الله أعمالهم، ألم يشتك رسول الله لربه، حيث يقول سبحانه «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» الفرقان (٣٠)، ألم يقل سبحانه «تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ» الجاثية (٦) كيف تجرأ الجهلة الذين «فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ» (البقرة ١٠) أن يجعلوا من اتخذ القرآن مرجعه ويجعله يعلو فوق ما عداه، فكلام الله فوق كلام الملائكة والأنبياء، متهماً بأنه قرآنى، إن تلك التهمة هى والله أعظم تقدير لكل مسلم اتخذ القرآن وحده مرجعية واستغنى بآيات الله عن الروايات والإسرائيليات وجعل كلمة الله هى العليا، ما الذى حدث لعقول العرب المسلمين كيف ضاقت عليهم نفوسهم وعقولهم بأن يصلوا إلى هذا المنحدر ويتطاولوا على رسول الله وما أنزل الله عليه من قرآن مبين للتذكير لتستيقظ العقول وأن بنى إسرائيل حاولوا بشتى الوسائل القضاء على رسالة الإسلام منذ بداية بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى أنهم حرضوا كفار قريش على اغتياله، ولما فشلوا شنت عليه قبائل اليهود بنى قريظة وبنى النظير وبنى قينقاع حروباً عدة لإعاقة تبليغ رسالة الإسلام للناس، وبفضل الله نصر رسوله وهزموا شر هزيمة فى كل معاركهم، ولذا اتجهوا للإشاعات وافتراء الأكاذيب على رسول الله، واختلفوا آلاف الروايات ونسبوها للصحابة منسوبة للرسول، واستطاعوا أن يقنعوا بها عدداً كبيراً من دعاة المسلمين، وبالغوا فى تضخيم مكانتهم فى العالم العربى والإسلامى بكافة وسائل الدعاية من طباعة عشرات الآلاف من الكتب والمجلدات لإعطاء مصداقية وتقديس لتلك الروايات، فاندفع المسلمون من كل مكان يمجدونهم ويقدسون آراءهم، حتى أصبح أولئك العلماء مراجع دينية غير قابلة للنقد أو لتصحيح بعض المفاهيم التى تنال من الرسول عليه الصلاة والسلام ومن القرآن الكريم، واعتبروها غير قابلة للمناقشة أو المراجعة، هكذا استطاع الإسرائيليون أن يؤسسوا على الروايات ديناً جديداً يدعمهم ويساندهم مجموعة علماء المذاهب المختلفة والأسانيد المنسوبة لأصحاب رسول الله، ليتحقق للروايات القدسية والمصداقية، وبذلك استطاعوا أن يضربوا طوقاً على العقول بمنعها من التدبر والتفكر كما أمر الله سبحانه، مستهدفين صرف الناس عن القرآن وتعطيل فرائضه، لتستمر المؤامرة فى وأد العقل العربى ليظل مرتهناً بأقوال السابقين وتبقى العقول مقيدة بتلك الأغلال التى ابتدعوها.
ولذلك مما يؤكد استمرار مؤامرة بنى إسرائيل وتابعيهم من الجهلة والأميين بمحاولاتهم زرع الخوف فى كل من يحاول أن يعيد مكانة القرآن أساساً لرسالة الله لعباده متضمنة آياته تعاليم الإسلام وتشريعاته، يمارسون تهمة القرآنيين لإرهاب المسلمين من التدبر والتفكر فى كتاب الله وتعطيل فريضة إلهية بدأها الله سبحانه، عندما علم آدم الأسماء كلها وهى المعرفة منذ الخليقة حتى قيام الساعة، كما أنزل على رسوله عليه الصلاة والسلام مفتاح المعرفة بسورة (اقرأ) أول سورة أُنزلت على رسول الله فى القرآن، والمؤامرة تستهدف استمرار انصراف المسلمين عن القرآن، ويؤكد الله سبحانه أن أعداء الله وأعداء الرسالة سينشرون شائعات وروايات عن القرآن لتكون لكتبهم الغلبة، يقول الله تعالى «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» (فصلت 26) وعلى ضوء ما جاء أعلاه تبرز الأسئلة التالية:
(1) كيف استطاع المتآمرون على رسالة الإسلام وأعداء الله أن ينشئوا روايات تتعارض مع قيم القرآن وسماحة الدين؟
(2) كيف استطاعوا أن يغرقوا العقول فى مستنقعات الفتنة والفرقة والقتل والتدمير فى حين أن الله يدعو للتعاون بين الناس بالبر والرحمة والتسامح والمحبة بين الناس؟
(3) كيف استطاعوا أن يمزقوا وحدة الرسالة إلى مرجعيات متناحرة متصارعة ومتقاتلة، كل منهم يبحث عن سلطة وجاه ومكانة مرموقة فى المجتمع؟
(4) كيف استطاعوا أن يجعلوا منا معاول لهدم دين السلام والمحبة ويحولونا إلى وحوش مسعورة فقدت كل قيم الإنسانية فأهملنا ما جاءت به رسالة الإسلام من عدل وسلام يقتل بعضنا بعضا تحت شعار الله أكبر، والسبب هو حينما هجر المسلمون الخطاب الإلهى القرآن الكريم.