
الملخص
يقول المفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، إن الرسول صلى الله عليه وسلم هاجر من مركز الشرك والكفر بمكة، إلى المدينة، ليتحقق له الهدف وينشر رسالة الإسلام والأمن والأمان والسلام، فكانت “مدينة النور” قاعدة الانطلاق لتوحيد الله وترسيخ الإيمان والنور الإلهي في قلوب الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
ويواصل الشرفاء حديثه قائلًا: “لقد انطلقت الدعوة في المدينة المنورة بشعلة إلهية تتجلى فيها الرحمة والعفو والغفران، ولذلك علينا أن نحتفل اليوم بهجرة الرسول من خلال العودة إلى كتاب الله عز وجل الذي يعدّ الحصن الحصين والحماية القوية من الوقوع في العصيان وارتكاب المعاصي والآثام، ويحقق للإنسان الحياة الكريمة بعيدًا عن الضنك والشقاء، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى”. التفاصيل في السياق التالي..
التفاصيل
التحالف ضد دعوة الله
يقول الشرفاء الحمادي: “لقد هاجر الرسول عليه السلام مضطرًا إلى المدينة، بعد ما تم حصاره من قبل أعداء رسالة الإسلام الذين تحالفوا ضد دعوة الله للناس، التي تهديهم إلى طريق الخير والصلاح، وتدعوهم للرحمة والعدل والإحسان والسلام والتكاتف فيما بينهم، لتحقيق الأمن والسلام الاجتماعي، وليعيشوا بالمجتمعات الإنسانية في استقرار وأمان، وقد لاقى كثيرًا من الظلم والمعاناة في سبيل إيصال الأمانة التي يحملها من الله سبحانه إلى الناس جميعًا، ليبلغهم آيات الله وتشريعاته ويبين لهم سبل الخير والسلام”.
الإسلام يكشف الخداع
ويواصل الشرفاء حديثه قائلًا: “لقد تحالف ضد دعوة الرسول كل من يخاف على مكانته، ومن يخشى ضياع مصلحته، ومن يرى في رسالة الإسلام تعرية لأكاذيبه وكشف ألاعيبه في خداع الناس برواياته وأساطيره وما حرفه مما نزل على أنبيائهم من كتب سماوية لهدايتهم إلى طريق العدل والسلام، وما حرمه عليهم من ظلم الناس وقتلهم الأنبياء، ومن خوفهم على ما يمكن أن تكشفه تحريفاتهم وزيفهم وخداعهم للناس، فتحالفوا مع قبائل قريش وغيرهم من القبائل الذين شعروا بأن رسالة الإسلام تقضي على مصالحهم، فكادوا للرسول وحاصروه ونكلوا بأصحابه، وحفاظًا على الأمانة التي يحملها في قرآنه ليبلغها للناس كما أمره الله سبحانه، لم يجد طريقًا غير الهجرة إلى المدينة ليحمل أمانة الله التي أنزلها عليه في الذكر الحكيم، ويوصلها إلى الناس ويؤديها بكل إخلاص نقية طاهرة دون تحريف أو تشويه أو تزوير، وهو يعلم عليه السلام عظم المسؤولية الملقاة على كاهله، فلم يخشَ ظلمًا ولم يتردد أمام الجبروت والطغيان وهاجر إلى المدينة يحمل معه شعلة النور التي تضيء طريق الخير والسلام والعدل والرحمة لكل الناس، يبشرهم بحياة كريمة في الدنيا آمنة مستقرة وجنات النعيم في الآخرة”.
السنة الحقيقية للرسول
ويؤكد الشرفاء الحمادي في حديثه أن الله عز وجل قد فتح بآياته التي سطرها القرآن الكريم طريق الفلاح والصلاح للناس، كما أنذرهم من يوم لا شفيع فيه ولا وسيط، كل بعمله، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ويدعوهم عليه السلام إلى اتباع كتاب الله والتقيد بتشريعاته وممارسة آداب القرآن وأخلاقياته التي هي السنة الحقيقية للرسول عليه السلام، وسلوكياته مع أهله وأقربائه وأفراد المجتمع، بغض النظر عن عقائدهم ودياناتهم، يعاملهم كما أمره القرآن إخوانًا في الإنسانية، ويدعوهم أيضًا بالحكمة والموعظة الحسنة ليتبعوا ما يعرضه عليهم من هدي الآيات لما يحول حياتهم في الدنيا إلى سعادة وعيش كريم في أمن وسلام، ويجنبهم حياة الشقاء والضنك ويبشرهم إذا اتبعوا كتاب الله وهدي القرآن بجنات النعيم في الآخرة، ويستشهد بقوله سبحانه: “فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى” (طه 123: 124)، ثم يعدهم عليه السلام ما قال الله سبحانه: “إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ”.
الهجرة والمعاناة وتحقيق الأهداف
ويكمل الشرفاء الحمادي حديثه قائلًا: “هكذا كان عليه السلام يجاهد في سبيل الله، تحمل الغربة عن مدينته التي ولد فيها مكة المكرمة، وهاجر بعيدًا عن أهله وأقربائه، وتحمل المشاق والمعاناة في حمل الأمانة ورسالة الإسلام في كتاب مبين، ليبلغها للناس كما أمره ربه، وواجه كل المؤامرات بقوة اليقين بنصر الله، وهزم كل المحاولات التي تسعى للنيل من أمانته والقضاء على رسالته، التي تنزلت عليه من خالقه، وفي حجة الوداع أعلن للناس استكمال مهمته، مستشهدًا بقول الله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينً. (المائدة:3)”.
الرسول هاديًا ومبشرًا ونذيرًا
ويختتم الشرفاء حديثه قائلًا: “عليك السلام يا رسول الله؛ فقد كنت رحمة للعالمين وقدوة للناس أخلاقًا وسلوكًا للمسلمين، كنت رحيمًا وعفوًا ومحسنًا، ترفق بالفقراء والمساكين، وكنت معلمًا عظيمًا للإنسانية وأسوة حسنة، أكرمك الله في صفاتك، وأثنى عليك في حسناتك، ورفع لك عنده قدرك، وختم بك رسالاته، وأعطاك أعظم وسام، فسماك رسول الله وخاتم النبيين، عليك سلام الله ورضوانه محمد بن عبد الله، بلغت الأمانة وأكملت الرسالة وكنت هاديًا ومبشرًا ونذيرًا”.

